للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال ابن جرير رحمه الله: (وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفين في الرزق، فهذا فقير، وهذا غني) (١). ونسب هذا القول إلى الحسن البصري رحمه الله.

ثم قال ابن جرير: -أيضا- (وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتى إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. فآمن بالله، وصدق رسله، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله، وتصديق رسله، وما جاءهم من عند الله. وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك، لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٩]. ففي ذلك دليل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس، إنما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار، ولو كان خبراً عن اختلافهم في الرزق لم يعقب ذلك بالخبر عن عقابهم وعذابهم) (٢).

وقال ابن جرير رحمه الله: (وأما قوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ. فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وللاختلاف خلقهم) (٣) ثم ذكر بأسانيده من قال بهذا القول.

وذكر بسنده عن الحسن البصري رحمه الله قال: (خلق هؤلاء لجنته، وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه) (٤).

وذكر عن الحسن أيضاً: (قال وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، قال: أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافاً يضرهم) (٥). وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (قوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: خلقهم فريقين. فريقاً يرحم فلا يختلف، وفريقاً لا يرحم يختلف، وذلك قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود: ١٠٥]) (٦).

وذكر عن عطاء رحمه الله في قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. قال: يهود نصارى ومجوس إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. قال: من جعله على الإسلام وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: مؤمن وكافر (٧).

وذكر عن أشهب أنه قال: سئل مالك عن قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير (٨).

ثم قال ابن جرير رحمه الله: (وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمة خلقهم) (٩).

ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول. ومنهم مجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة وابن عباس (١٠).

ثم قال ابن جرير: (وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم، لأن الله جل ذكره، ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل. والآخر أهل حق ثم عقب ذلك بقوله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ فعم بقوله وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ صفة الصنفين، فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له) (١١).


(١) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٢ - ١٤٣).
(٢) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤١ - ١٤٣).
(٣) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣).
(٤) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣).
(٥) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣).
(٦) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣).
(٧) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣).
(٨) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣).
(٩) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣).
(١٠) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٣ - ١٤٤).
(١١) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>