٤) أن الخلق لا يحيطون علماً بالخالق، أي لا يعلمون شيئا من ذاته وصفاته إلا ما أطلعهم الله سبحانه عليه، عن طريق رسله وكتبه المنزلة. قال تعالى وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة: ٢٥٥] وقال يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: ١١٠].
٥) وعلى وجه أعم، أنهم لا يعلمون شيئاً من المعلومات، إلا بتعليم الله لهم، فكل علم شرعي وقدري فمرجعه إلى الله العليم الحكيم، كما قالت الملائكة سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ [البقرة: ٣٢].
وقال عز وجل وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: ٢٨٢]
وقال وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: ٣١].
وقال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء: ١١٣].
وقال عن يوسف صلى الله عليه وسلم رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف: ١٠١].
وقال عن داود صلى الله عليه وسلم وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ [الأنبياء: ٨٠].
وعن الخضر صلى الله عليه وسلم وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: ٦٥].
وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبين أن أصل ومنشأ كل علم إنما هو من الله جل ثناؤه سواء كان شرعياً أو دنيوياً.
٦) قلة ما بأيدينا من العلم بالنسبة لعلم الله تعالى:
ومع كثرة المعلومات التي تعلمها بنو آدم وتشعبها، إلا أنها قليلة جداً بالنسبة لعلم الله تعالى الواسع، قال سبحانه وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: ٨٥].
وفي قصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام: ((فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة أو نقرتين. قال له الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر ... )) (١).
٧) الفرق بين علم الخالق وعلم المخلوق:
علم الله جل ثناؤه لا يعتريه نقص أبداً، من نسيان أو جهل، أو علم ببعض أمور الخلق وجهل بغيرها.
قال تعالى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: ٦٤].
وقال وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: ٧٩].
وهو سبحانه لا يشغله علم عن علم، كما لا يشغله سمع عن سمع، وأني للمخلوق مثل هذه الصفات، فهم يولدون جهلة لا يعلمون شيئا، ثم يتعلمون شيئا فشيئا، قال تعالى وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل: ٧٨].
فعلمهم قد سبقه الجهل، والله سبحانه كان ومازال عليماً لم يسبق علمه جهل، ولا نقول إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علماً فعلم، كما تقوله المبتدعة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
(١) رواه البخاري (٤٧٢٥)، ومسلم (٢٣٨٠). من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.