للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحاجَتِكَ ولا يُعَنِّيْكَ، قال عُثْمان: فلم أَدْر ما تُريد، فقُلتُ: يا عَجُوز، ليسَ بيني وبينه مَعْرفَة، فقالت: يا حَبيْبي، وما الّذي قطَعَ بينَكَ وبين مَعْرفتهِ، وحَال (a) بينكَ وبين الاتِّصَال بهِ؟

قال عُثْمان: ففهمْتُ ما قالت، فبَكَيْتُ، فقالت: ممَّ بكاؤُكَ؛ من شيء كُنت تعلَمُه فتركْتَهُ وذكرته؟ قُلتُ: نعم، فقالت: احْمَد الله عزَّ وجلَّ الّذي لم يتركك حَيْرتكَ.

فقُلتُ: يا عَجُوز، لو دَعَوْت اللهَ عزَّ وجلَّ بدَعْوَةٍ، فقالت: بماذا؟ قُلتُ: يُنْقذني من حُبِّ الدُّنْيا، فقالت: امْضِ لشَأْنك، فقد عِلم المحبُوبُ ما ناداه الضّمير من أجْلِكَ.

ثمّ قالت: يا عُثْمان، تُحبّ الله عزَّ وجلَّ؟ قُلتُ: أجَل، فقالت: اصْدُقْني ولا تكُن كَذَّابًا، فقُلتُ: واللهِ إنِّي أُحِبّ الله عزَّ وجلَّ. قالت: يا عُثْمان، فما الّذي أفادكَ من طَرائف حِكْمته إذ أوصَلكَ بها إلى مَحبَّتِهِ؟ قال: فأمْسَكتُ لا أُجِيْبها، فقالت: يا هذا، عَسَاكَ ممّن يُحبُّ كتمان المحبَّة؟ قال: فأمْسَكتُ لا أدْري ما أقُول لها، فسمعْتُها تقُول: يأبَى الله عزَّ وجلَّ أنْ يُدْنِس طَرائفَ حِكْمته، وخَفِيِّ مَكْنُون محَبَّتِه قُلُوب البَطَّالين، ثمّ قالت: يا عُثْمان، أمَا والله لو سَألْتَني عن محَبةِ رَبِّي لكشفْت القناعَ الّذي على قَلْبي وأخْبرتُكَ بمَحَبَّة سَيِّدِي ورَبِّي عزَّ وجلَّ.

ثمّ اسْتقبَلَتْ بوَجْهها إلى القِبْلَةِ وهى تقُول: من أين لعَقْلي الرُّجُوع إلهي، ومن أين لوَجْهي الحيَاءُ منكَ سَيِّدِي، إنْ لم تكُن لي هَلَكتُ، وإنْ لم تكن معي في وحْدَتي عطبْتُ، ثمّ اسْتَقبلتني بوَجْهها توبِّخُني وهي تقُول: يا عُثْمان، فقُلتُ:


(a) الأصل: في حال.

<<  <  ج: ص:  >  >>