للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القُسْطَنْطِينِيَّة في مائهَ ألف وعشرين ألفًا، وكان اسْتَصْحَبَ ألْيُونَ المَرْعَشيِّ ليدُلّهُ على الطَّريق والعَورَات، وأخَذ عُهُودَهُ ومَوَاثيقَهُ على الوَفَاء والمُنَاصَحة، فعبَروا الخلَيْج وحاصَرُوا القُسْطَنْطِينِيَّة، فلمَّا بَّرح بهم الحِصَارُ، عَرَضوا الفِدْيَة على مَسْلَمَةَ فأبَى أنْ يفتحها إلَّا عَنْوَةً، قالوا: فابْعَثْ إلينا أَلْيُوْنَ فإنَّهُ رَجُلٌ منَّا، ويَفْهَم كَلامَنا مُشَافهةً (a)، فبَعَثَه إليهم، فسَألُوه عن وَجْهِ الحيْلَة فقد ضَاقَ بهم (b) الأمر، فقال: يا أهْلَ قُسْطَنْطِينِيَّة، إنْ مَلَّكْتُموني عليمك لَم أَفْتَتحها (c) لمَسْلَمَة، فبَايَعُوه على الملك والأَمْرَة، فخرج أَلْيُوْن وقال لمَسْلَمَة: قد أجَابُوني أنَّهُم يفتَحُونها (d)، غير أنَّهم لا يفتَحُون ما لَم تَنَحَّ عنهم، قال مَسْلَمَةُ: أَخْشَى والله أنَّ هذا منك غَدرٌ، فحَلَفَ له أَلْيُوْنُ أنْ يدْفَع إليه كُلّ ما في قُسْطَنْطِينِيَّة (e) من ذَهَب وفِضّة ودِيباج وسَبْي، ورَحَل مَسْلَمَةُ، وتَنَحَّى إلى بعض الرَّسَاتِيْق، ودخَل أَلْيُوْن، فلبس التَّاج، وقَعَد على سَرِير المُلْك، وأمَرَ بنَقْل الطَّعَام والعُلوفَات من خارج فملأُوا الأَهْرِاء وشَحَنُوا المَطَاميْر، وبلغَ الخَبَرُ مَسْلَمَة (f) فعَلم أنَّه كان غَدَرًا، فأقْبل رَاجِعًا فأدْرك شَيئًا من الطَّعَام، وغلقُوا (g) الأبْوَابَ دونهُ، وبَعَثَ إلى أَلْيُوْن يُنَاشِدُه (h) الوَفَاء إلى العَهْدِ (i)، فأرْسَل إليهِ أَلْيُوْن: مَلِكُ الرُّوم لا يُبَاج بالوَفَاءَ! وؤل بفنائهم مَسْلَمَة ثلاثين شَهْرًا، حتَّى أكَلَ أهْلُ عَسْكره المَيْتَةَ والعَظْم، وقُتِلَ منهم خَلْق عَظيم، ثمّ رَحَل وانْصَرَف.

أمْجَدُ بن عَبْد المَلِك، أبو المَجْد الوَرْكَانِيّ القَاضِي

قاضي بلاد الرُّوم، ووَرْكَان قَرْيَةُ من قُرَى قَاشَان (j)، وكان فَاضِلًا، أَدِيبًا،


(a) ساقطة من كتاب البدء والتاريخ.
(b) البدء والتاريخ: عليهم.
(c) البدء والتاريخ: أفتحها.
(d) قوله: "أنهم يفتحونها" ساقطة من كتاب البدء والتاريخ.
(e) ب: القسطنطينية.
(f) البدء والتاريخ: لمسلمة.
(g) البدء والتاريخ: وأغلقوا.
(h) ب: فأنشده.
(i) البدء والتاريخ: الوفاء بالعهد.
(j) ب: قاسان، وانظر: ياقوت: مجم البلدان ٥: ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>