للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَسَنُ بنُ صَفْوَان الأنْطَاكِيُّ

حَكَى عن طُرَّة المُوَسْوس.

قَرَأتُ في كتاب عُقَلَاءِ المَجَانِيْن (١)، قال: وحدَّث الحَسَنُ بن صَفْوَان الأنْطَاكِيّ، قال: كُنْتُ في دَعْوَة، ومَضَى طُرَّة المُوَسْوس فأَسْمعنا من شِعْره وطَريف فَوَائِده، ولعْبهِ بيَدَيه ورِجْلَيهِ، وازْدَدْنا سرُورًا، ولمَّا أكَلْنا وحصَلْنا على الشَّرَاب، أقْبل عليه بعضُ مَنْ كان جالِسًا، فأخذَ يوْلَع به، ويَصِيْحُ: السِّلاحَ السِّلاحَ. قال: هذا أوَّلُ الجُنُون والحَرْب وأخَذَ يوْلع به، ويَرْميهِ بشيءٍ من الفَاكِهَة، فقال له طُرَّةُ: يا فَتَى، أنتَ مَجْنُون! فأخَذَ يَقْرأ عليه ويُعوِّذهُ وهو يَزِيدُ عليه في الولَع، ثمّ رَمَاهُ بأُتْرُجَّةٍ فوَقَعَتْ في فُؤَادهِ فدَ أنْ يَهْلَك، فَخشِيْتُ منه فطَفَر (٢) عليه، ونَطَحَهُ نَطْحَةً كَسَرَ فيها أنْفَهُ، فَخشِيتُ منه، فطَفَرَ عليه ثانيةً ونَطَحَهُ نَطْحَةً كاد أنْ يَذْهَبَ باقي أنْفَهُ فيها، وَهَمَّ أنْ يَخْنُقَهُ، فقُمنا إليهِ ولَم نَزَل نَسْألهُ إلى أنْ خلَّاهُ، وشاغَلْناهُ عنه إلى أنْ شَدَدْنا ما كَسَر منه، وطَرَحْنا عليه شَيئًا من الثِّيَاب، وهَمَّ طُرَّةُ بالخُرُوج، فقُلْنا له: اجْلس نَعْمل الآن ما جَرَى، فقال: لا أفْعَل، فقُلْتُ: فإنَّهُ قد نفَّذَ يَسْتَعْدي عليكَ، فاللَّهَ اللَّهَ أنْ تَخْرُجَ فتُؤْخَذ فتُحْبَس وتُقَيَّد وتُشَدَّ، فأخَذَهُ ما كان يأَخُذُه، ثمّ قام وقال: لي يُقال هذا؟! واللَّهِ لو خَاطَبَني الوَالي لسَمِعَ منِّي الجَوَابَ، فقُلْنا: ماذا يكُون جَوَابُكَ وقد فَعَلْتَ ما فعَلْتَ؟ قال: يكُون ما تَسْمَعُ، ثمّ أخَذَ في إنْشَادِ هذه الأبْيَات: [من الكامل]

ومُعَرْبَدٍ نَادَمْتُهُ في مَجْلِسٍ … رَأَتِ العَشِيْرَةُ عِفَّتي في المَجْلِسِ

صَاح: السِّلاحَ، فقُلْتُ: شَرًّا وَاقِعًا … وذَكَرتُ بَيْتًا للفَتَى المُتَلَمِّسِ


(١) نقل منه ابن العديم في مواضع آتية من هذا الكتاب، وذكر هناك بأنه لم يقف على اسم جامعه، وهو غير كتاب عقلاء المجانين لابن حبيب (ت ٤٠٦ هـ).
(٢) الطَّفَرُ: الوثوب. لسان العرب، مادة: طفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>