للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وكان نُزُولُه بحَلَب في مَحلَّتِنا المَعْرُوفةِ بآدر بني كِسْرَى. قال لي وَالدِي: وكانت دارهُ دَارًا هي الآن خَانكَاه سَعْد الدِّين كُمُشْتكِيْن مُلَاصقَة لدَارِي".

ويَنْفردُ أيضًا بذِكْر قُدُوم المتُنبِّي إلى مِصْرَ مرَّتين، مرَّةً في سَنَة ٣٣٥ هـ، وأُخْرى سَنَة ٣٤٦ هـ، والمَشْهُورُ المَعْرُوفُ عند المُؤرِّخينَ أنَّه زَارها مرَّةً واحدةً (٣٤٦ هـ) وأقام فيها برفْقةِ كافُور. فكانت تَرْجَمتُهُ للمُتَنَبِّي من أكْمَل التَّراجمِ وأوْعَبها، وهي تَرْجَمَةٌ طَويلةٌ تَقَعُ في نحو ٦٠ ورقة من الأصْلِ المَخْطُوطِ، وقد نوَّه الأُسْتاذُ مَحْمُود شاكِر - يَرْحمه الله - بأهَمِّيةِ هذه التَّرْجَمةِ في دِراسَاتِه المُسْتَفيضَةِ عن المُتَنَبِّي، واسْتَعانَ بها كثيرًا، وأشارَ إلى تَفرُّدِ ابن العَدِيْم في كَثِيرٍ من اللُّمَع الَّتي أَماطَتِ اللِّثَام عمَّا لَاكَتْهُ الأَلْسُنُ حَوْلَ حَياةِ المُتَنَبِّي (١).

ونَقِفُ في تَراجِمِ وابن العَدِيْم على أسْماءَ لأعْلَام مَغْمُورين، لَم يَرِدْ لهم ذِكْرٌ فيما عَدَاهُ، ولولا ما قيَّدَهُ عنهم لطَواهم النِّسْيانُ، وانْدَثَر ذِكْرُهم، وانْقَطَعَ خَبَرهم.

ويَشْتَملُ الكتابُ أيضًا على كَميَّة كَبيرةٍ من القَصائِدِ والأشْعارِ والمَقْطُوعات الشَّعْريَّةِ لكَثير من الشُّعَراءَ، وأَغْلَبُه ممَّا لم يَجْتَمعْ في دِيْوان، إضافَةً إلى حِكايات أدَبيَّةٍ ورِوَايات تاريخيَّة، اسْتَمدَّ ابنُ العَدِيْم بعضَها من مَصادرَ لم تَصِلْنا ولَمِ ترَدْ عندَ غيره. وعلى ما حَفِظَهُ ابنُ العَديم من قَصائدَ ومَنْظُوماتٍ، أُقِيْمت بعضُ دواوينِ الشِّعر أو اسْتُدْرِكَ عليها، وأُعِيْدَ - بفَضْله - الاعْتِبارُ لعَدَد كَبير من الشُّعَراءَ.

مَنْهَجُ ابنُ العَدِيْم في تَصْنِيف الكِتَاب وتَرْتِيبه:

تَقيَّلَ ابنُ العَدِيْم - في مَنْهِجِه وخِطَّتِه - سَنَنَ الخَطِيب البَغْدادِيّ في كتابِه "تأريخَ مَدِينَة السَّلام"، وسَلَكَ منْهجه، ولعلَّ ابنَ العَديم ضَمَّن خُطْبَة كتابَ البُغْيَة، الَّتي ضاعَتْ بضَياعَ الأوْراقِ الأُولَى من الجُزءَ الأوَّل، جانبًا من خِطَّتِه، وطَرِيقَته، والغايةِ من تَصْنِيفِه الكتاب.


(١) محمود شاكر: المتنبي ٦٠٥ - ٦٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>