للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ وجُودَ الجُزءَ الأوَّل بين أيْدينا، إضافةً إلى أجْزاءَ مُتَفرِّقَةٍ من نصْفِه الأوَّل، وكَذا الجُزء قَبْلَ الجُزئين الأخِيرَيْن منه، تُتِيحُ لنا مَعْرِفَةَ مَنْهجِه في التَّأَلِيفِ وتَرْتيبِ مادَّة الكتابِ، وإنْ كانَ ابنُ الشَّعَّارِ المَوصِليّ قد قرَّر بأنَّهُ سَلكَهُ على غِرَارِ كتاب بَغْداد: "حَذا فيه حَذْوَ تاريخ الخَطِيْب أبي بَكْر بن ثابِت"، (١)، وألَّفَهُ على نَمطِه (٢)، لَم يَشُذْ عنه حتَّى في مَداخِل الأبْوابِ والفُصُولِ الّتي تَسْبقُ مَجامِيع أسْماءَ التَّراجم، وإنْ خَالَفَهُ في التَّرْتيبِ في تَراجِم المحمَّدين الَّذين سَلَكهمِ الخَطِيبُ في أوَّلِ التَّراجمِ، عل عادَةِ بَعْض المُؤرِّخِين في تَقْديمهم على غَيْرهم، وتَقْديم العَبادِلَة على بَقيَّةِ العُبّاد تَبَرُّكًا بهم، بينما رَاعَى ابنُ العَدِيْم التَّرْتيبَ على حُرُوف المُعْجَم، فأَخَّرَ ذِكْرَهُم إلى مَوْضِعه.

وعَمَلُ ابن العَدِيْم أيضًا لا يبعُدُ عن طَرِيقَةِ ابن عَساكِر في كتابِه "تاريْخ مَدِينة دِمَشْق"، لكن اخْتِلَافَ مَشْرَبِ كُلٍّ منهما انْعَكَسَ جَليًّا على عَمَليهما، فابنُ عَساكِر - لتكوينه الحَدِيثي - حَشَدَ في كتابِه جُمْلَةً كثيرةً من الرِّواياتِ الَّتي تَعَدَّدَتْ فيها طُرُقُ النَّقْل والرِّوَايةِ وإنْ اتَفقَتْ في المَتْنِ والمَضْمُون، بينما كانَ ابنُ العَدِيْم أكْثَرَ انْتِقاءً وتَحْريرًا لنُقُولِهِ، وأحْرَصَ على جَوْهَرِ المادَّة، وإنْ لَم يُغْفِلْ مَصْدَرَ النَّقْل وسَنَدَ الرِّوايَة.

وفي الكتابِ الأوَّل الَّذي خَصَّصَهُ المُؤلِّفُ للكَلامِ على حَلَب وما يُجاورُها، وما فيها من أنْهارٍ وبُحيراتٍ ومَعالَمَ ومَشاهدَ، فإنَّهُ لَم يخْرُجْ عن مَنْهَجِ الحافظَيْن: الخَطِيبِ البَغْدادِيّ وابن عَساكِر، إذْ خَصَّصَ الخَطِيبُ الجُزءَ الأول من كتابِه للكلَام على مَدِينة بَغْداد وأوَّلِيَّةِ تَأسِيسها، وخِطَطِها، وفَضَائلِها، ومَحاسِن أهْلها، وذِكْر نَهْريها: دِجْلَة والفُرَات، وتَعْدَاد مَساجِدها، وجُسُورها، وما يتعلَّقُ بنَواحِي المَدِينة،


(١) ابن الشعار: قلائد الجمان ٤: ٢٣٣.
(٢) روزنثال: علم التأريخ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>