للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمدُ بن يُوسُفَ أبو العبَّاس التِّيفَاشِيُّ القَاضِي (١)

وتِيْفَاش قَرْيَةٌ من قُرَى قَفْصَة إحْدَى بِلَادِ إفْرِيقِيَّة، وكان أبو العبَّاس قَاضِم قَفْصَة، وكان شَيْخًا حَسَنًا فَاضِلًا، عَارِفًا بالأدَب وعُلُوم الأوَائِل، وله شِعْرٌ حَسَنٌ، ونَثْرٌ جَيِّدٌ، ومُصَنَّفاتٌ حَسَنةٌ في عدَّةِ فُنُون؛ كَثِيْرة الفَائِدَة.

اجْتَمَعْتُ بهِ بالقَاهِرَة، وقد تَوَجَّهْتُ إليها رَسُولًا (٢)، فوَجَدْتُه شَيْخًا كَيِّسًا، ظَرِيفًا، حَرِيْصًا على الاسْتِفَادَة لِمَا يُوْردُه في تَصَانيْفه، ويُوْدعُه مَجَامِيْعَهُ. وأوْقَفني على شيءٍ من تَصَانيفهِ الحِسَان، وأهْدَى إليَّ بخَطِّه منها كتِابًا وَسَمَهُ بالدُّرَّة الفَائِقَة في مَحَاسِن الأفَارِقَة، وأنْشَدَني مَقاطِيع من شِعْره.

وذكَرَ لي أنَّهُ وُلِدَ بقَفْصَة منِ بلاد إفْرِيقِيَّة، وأنَّهُ خَرَجَ وهو صَبيٌّ، واشْتَغل بالدِّيَار المِصْرِيّة على شَيْخِنا أبي مُحمَّد عَبْد اللَّطِيْف بن يُوسُف البَغْدَاديّ، ورحَل إلى دِمَشْقَ، وقَرأ بها على شَيْخِنا أبي اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، وأحبَّ المقام بها، ثمّ إنْ نَفْسَهُ اشْتَاقَتْ إلى الوَطَن، فعَاد إلى قَفْصَة، ثمّ إنَّهُ حَنَّ إلى المَشْرِق، وطالبَتْهُ نَفْسُه بالمقامِ بدِمَشْق، فبَاع أمْلَاكَهُ وما يثْقُل عليه حَمْلُهُ، وأخَذَ معه أولادَهُ وزَوْجَه ومَالَهُ، وركبَ البَحْر في مَرْكبٍ اتَّخذَهُ لنفسِه، فغَرِقَ أهْلُه وأولادُهُ، وخَلَصَ بحُشَاشَةِ نَفْسهِ، وخَلَّص عَرَبُ بَرْقَةَ بعضَ مَتَاعِهِ، فخرَجَ معهم


(١) توفي سنة ٦٥١ هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني ١: ٢٧٤، تاريخ الإسلام ١٤: ٧٠٤، الوافي بالوفيات ٨: ٢٨٨ - ٢٩١، وأورد الصفدي نماذج ومقطوعات من شعره، وذكر من مؤلفاته كتاب: "فصل الخطاب في مدارك الحراس الخمس لأولي الألباب"، كتاب كبير في الأدب يقع في ٢٤ مجلدة، ابن دقماق: نزهة الأنام ٢١٧، المقري: نفح الطيب ٢: ٣٣٤ - ٣٣٥، الزركلي: الأعلام ١: ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٢) سافر ابن العديم إلى مصرَ مرَّات عديدة، وجميعها في رسائل سلطانية، والتي كانت في حياة التيفاشي ففي السنوات ٦٣٧ هـ، ٦٤١ هـ، ٦٤٣ هـ، ٦٤٤ هـ، وثمة سفرات أخرى بعد وفاة التيفاشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>