للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْخنا افْتِخار الدِّين أبي هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ عنهُ، وكان نَشَأ بهذه المَدْرَسَة، ووَلي تَدْريسها بعدَ أبيه، فقال لي: إنَّ نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي أحْضَره من أفَامِيَة، ووضعَهُ في هذه المَدْرَسَة، وعليه كتابةٌ باليُونانيَّةِ، فسألتُهُ عنها فذكَرَ لي أنَّهُ حَضَر مَنْ تَرْجَمَهَا، وفيها مَكْتُوب: عُمِلَ هذا للمَلِك دِقْلِطْيَانُوسْ والنَّسْرُ الطَّائر في أربعَة عَشر دَرَجَةً من بُرْج العَقْرَب، قال: فيكُون مِقْدَار ذلك ثلاثة آلاف سنةٍ، واللّهُ أعْلَمُ.

قلتُ: وهذا دِقْلِطْيَانُوسْ هو آخر مُلُوك رُوْمِيَة. قيل: إنَّهُ مَلَك عشرين سنَة.

وسَمِعْتُ والديّ، رَحِمَهُ اللّه، يقُول لي: إنَّ نُور الدِّين مَحْمُود في زَنْكِي، رَحِمَهُ اللّه، كان يَحْشُو للفُقَهاءِ القَطَائف، ويَمْلَأُ بها هذا الجُرْن الرُّخَام، ويَجْتَمِعُون عليهِ، ويأكُلُوْنَها.

بابٌ في ذِكْرِ ما بحَلَب وأعْمالها من المَزَارَاتِ، وقُبُور الأنْبِياء والأوْلِيَاء، والمَواطِن الشَّرِيْفَة، الّتي بها مَظَاّنَ إجَابة الدُّعَاء

فأمَّا قلعَةُ حَلَب؛ ففيها مَقامَا إبرَاهِيمِ صَلَّى اللّهُ عليه وسَلَّم: الأعْلَى والأسْفَل، وقيل: إنَّ إبْرَاهِيم عَليه السَّلامُ كان قد وَضَعِ أثْقالَهُ بتَلِّ القلْعَة، وكان يُقِيمِ بهِ ويَبُثُّ رِعَاءَهُ إلى نَهْر الفُرَاتِ والجَبَل الأَسْود، ويَحْبسُ بعض الرِّعَاء بما معَهُم عندَهُ، ويأمُرُ بحَلْب ما معَهُ، واتِّخاذ الأطْعمة، وتَفْرقتها على الضُّعَفَاء والمَسَاكِين، وقد ذكَرنا ذلكَ مُسْتَقصىً في باب تسْمِيَة حَلَب (١).

فأمَّا المَقام التَّحْتَانيّ؛ فكان مَوضِعُهُ كَنيْسَة للنَّصارَى إلى أيَّام بني مِرْدَاسٍ، وقد قال ابنُ بُطْلان في بعض رَسائله (٢) إنَّ فيها كان المَذْبَح الّذي قرَّب عليهِ إبْرَاهِيمُ عليهِ السَّلامُ، فغُيِّرت بعد ذلك وجُعِلَتْ مَسْجِدًا للمُسْلِمينَ، وجَدَّدَ عِمارَتَهُ


(١) من الأبواب الضائعة من الكتاب، وقد حفظ ابن شداد كلام ابن العديم الَّذي أحال عليه، فألحقناه في الملتفط مما ضاع من الكتاب، وانظر: الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ٥٤ - ٥٥، وابن الشحنة: الدر المنتخب ٣٦.
(٢) رحلة ابن بطلان ٧٦، ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>