قَرّأتُ في مجْموع جَمَعَهُ بعض أهل حَلَب، قال: حَيْدَرة بن أحْمَد بن عُمَر بن مُوسَى أبو تُرَاب الرَّبَعِيُّ، من أهْلِ الشَّرْق، وَرَدَ إلى حَلَب، ثمّ انْقَطَع إلى ابن مُنْقِذ، وكان عنده أنْوَاع من العُلُوم، وذَكَرَ له الأبْيَات الرَّائيِّة المَرْفُوعَة.
حَيْدَرةُ بن إسْمَاعِيْل بن سَالم الكَاتِبُ
كان أحَد كُتَّاب الوَزِير أبي العِزّ بن صَدَقَة، وَزِير أبي المَكَارِم مُسْلِم بن قُرَيْشٍ، وكان ذا أدَبٍ وَافِر، وعِلْم ظَاهِر، وفَخْر سَنِيّ، وكتابةٍ حَسَنة، وكان بَلِيْغًا.
قَرَأتُ في المجمُوع الَّذي جَمَعَهُ بعضُ أهل حَلَب، وقَدَّمْتُ ذِكْرهُ في التَّرْجَمَة المَتُقدِّمة، قال: وقيل - يعني لحَيْدَرة بن إسْمَاعِيْل - لمَّا أرَادَ الاتِّصَال بخِدْمَة ابن الفُرَاتِ: بماذا تَخْدُم الوَزِير؟ قال: بأنْ لا أكْذِبَهُ إذا سَألَ، ولا أصْدقهُ إذا سَكَت، ولا أخُونهُ إذا وَلَّى، ولا أذُمُّه إذا عَزَل، ولا أُساعِد له عَدُوًّا، ولا أُجَالِسُ مَنْ كان عندَهُ ظَنِيْنًا، ولا أسْألهُ عمَّا لم ينَلْهُ نَظَري، ولا أرْتَفع فَوْق قَدْري، ولا أكْتَسبُ من غيره، ولا اشْكُر على نِعْمته سِوَاهُ، وإنْ حَسُنَ مَوْقعي منه شَكَرتهُ للزِّيادة فيما فُزْت به، وإنْ جَرَى المِقْدَارُ بخِلَاف ذلك، كنتُ غير لائم لنَفْسِي، ولا أعْتبُ على فعْلي (١).
قال: ومن شِعْره: [من المنسرح]
إنْ كُنْتَ في الحَقِّ لا تُجَوِّزُني … فإنَّني قد أجُوزُ في الغَلَطِ
إنْ لَم أكُن من خِيَار ما ضَمَّهُ الـ … عِدْلُ فهَبْني لفَاقةِ السَّقَطِ
كذا كان في المَجْمُوع المُشَار إليهِ: لمَّا أرادَ الاتِّصَال بخدْمَة ابن الفُرَات! ويغلِبُ على ظَنِّي أنه تصَحَّف عليه أبي العِزّ بابن الفُرَات، وأظُنُّ أنَّ آخر البيت الثاني: فهَبْني نُفَاية السَّقَط، واللّهُ أعْلَمُ.
(١) يُنْسب هذا القول لأحمد بن الطيب السرخسي، انظر ترجمته المتقدمة في الجزء الثاني.