ويتَّصِلُ بمَنْهجِه في التَّألِيفِ: أمانَةُ النَّقْل ودِقَّةُ التَّوْثيق، وهي تفُوقُ في دِقَّتها مناهِجَ التَّوْثيق الصَّارِمَةَ في زَماننِا، ولعلَّهُ مأخوذٌ بقُوَّة ما تَعاطاهُ من الفَتْوى والحَدِيث والفِقْه، إذ اتَّبعَ طَريقَ عَزْوٍ وتَوْثيقٍ لكُلِّ مَصادرِه، ولم يُغْفِلْ إسْنادَه (مَصْدره) حتَّى في رِواياتِه عن أخَصِّ أهْلِه: والدِه وعَمِّه أبي غَانِم، فلم يُوْردْ نقلًا دُونَ ذِكْر المَصْدَر، وكيفَ وَصَل إليه؛ حتَّى لو كانَ أخْذُه من على ظَهْر كتابٍ، ويَعْزو الأقْوالَ إلى أصْحابِها، ويُعَدِّد الأسَانيدَ وإنْ طالَتْ، ويَصِفُ النُّسَخَ الَّتي بين يَديه، ويَضَعُ الفُروقَ بينها إذا ما تعدَّدتْ عندَه النُّسَخ، وفي النَّماذجِ التَّاليةِ ما يُدلِّل على تَحَرِّيهِ وطَرْيقَةِ تَوْثِيقه، فيَقُول عن نُسْخةِ كتاب الحاَفِظِ للمُنَادِي المَقْرُوءة على مُؤلِّفها (الجُزء الأوَّل):
"وقَع إليّ كتابٌ ألَّفهُ أبو الحُسَيْن أحمدُ بن جَعْفَر بن مُحمَّد بن عُبيد الله المُنَادِي، سَمَّاهُ: الحَافِظَ لمَعارفِ حَرَكاتِ الشَّمْسِ والقَمر والنُّجُوم في آفاقِها، والأقالِيْم وأسْمَاءَ بُلْدانها في سِياقها، وهو مَسْموعٌ عليه، وأحْسَبُه بخطِّهِ، فقَرَأتُ فيه … ".
وأيضًا اعْتِناؤه بوَصف النُّسَخ الَّتي يَعْتَمدُ عليها كُودُكولجيًّا وبَيَان حالتها وخَطِّ كاتبها، وما عليها من سَماعات وخُطُوط لمُؤلِّفيها أو خُطوط عُلَماء مُعْتَبرين، مثل (الجزء الأوَّل):
"وَقَعَ إليَّ مَجمُوعٌ بخَطِّ بعضِ الفُضَلَاء، يتضمَّن فِقَرًا وقَواعِدَ وأخْبارًا وفوائِدَ، في نُسْخةٍ عَتِيقة؛ يَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّ كاتِبَ النُّسْخَةِ جَمعَ المَجمُوع، فقَرأتُ فيه … ".