للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو سَعدٍ الحَرَشِيُّ القَاضِي (١)

له ذِكْرٌ ومُرُوءَة، وكان من أهْلِ بَالِس، وسَكَنَ حَلَبَ، وأدْرَكتُ بحَلَب شَيْخًا من ذُرِّيته أو من أقَاربه، وكان شَيْخًا حَسَنًا، وقَف رَبْعات كَثِيْرة على المَشَاهِد بحَلَب، وكان له اخْتِلَاطٌ بوَالدِي رَحِمَهُ اللَّهُ.

وهذا أبو سَعْد من أرْبَاب الفَضْل، وَجَدْتُ ذِكْرَهُ في تاريخ جَمَعهُ أبو المُغِيْث مُنْقِذ بن مُرْشِد بن عليِّ بن مُنْقِذ، وذَيَّلَ به تاريْخ أبي غَالِب هَمَّام بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ (٢)، قال فيه: في سَنَة إحْدَى وثَلاثين وخَمْسِمائَة ماتَ القَاضِي أبو سَعد الحَرَشِيِّ بالرَّقَّة، رَحِمَهُ اللَّهُ، وكان من أفَاضِل المُسْلمِيْن، قد جَمَعَ الدِّين والأمَانَة والصِّدْق والصِّيَانة والرَّأفَهَ والكَرَم.

وحَدَّثَني بعضُ الأصْدِقَاء، قال: رَأيتُه بالرَّقّةِ وقد نَصَبَ ثَلاث خَشَبات، وقد أحْضَر قَوْمًا يُدَلُّونَهُ في زَنْبِيلٍ إلى رَكيَّةٍ مَحْفُورة، قُلتُ: يا سَيِّدِي، لَمَ تَفْعَل هذا؟ قال: هَا هُنا قَوْمٌ أُسَرَاءُ وقَوْم حُبِسُوا من الفِرِنْج والمُسْلمِيْن، ومعهم مَرَضُ، أنْزلُ أُدَاوِيْهم، فلُمْتُه على ذلك، فقال: هُمْ من خلْقَة اللَّهِ عزَّ وجلَّ.

وما عَمِلَ شَيئًا قَطّ بأُجْرَة، وكان يُدَاوِي الضُّعَفَاء، ويُعْطيهم الحَوَائِج، ويَمْشِي إليهم، ويَغْرم عليهم من مَالهِ.

قال ابنُ مُنْقِذ: وكان حَسَن الخُلُق، طَيِّب العِشْرة، وضَحُوك السِّنِّ. حَدَّثَني أخي مُؤَيَّد الدَّوْلَةِ قَال: شَكَوْتُ إليهِ بعضَ حَالي وما أعَانيه من شَقَاءِ (a) السَّفَرِ، فقال: اصْبِرْ على ما تَكْرَهُ وإلَّا بُلِيْتَ بما لا تُطِيْقُ.


(a) ساقطة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>