للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسْحاقُ بن خَلَّادٍ، أبو يَعْقُوبَ التَّيْلُمِيُّ المُقْرِئُ (١)

كان مُقِيْمًا بجامع طَرَسُوس يُقرئ القُرْآن العَزِيز، وكان زَاهِدًا عَابِدًا، قرأ عليه أبو عَمْرو عُثْمان بن عَبْد الله الكَرْجِيّ الطَّرَسُوسيِّ، وذَكَرهُ في كتَاب سِيَر الثُّغُور.

قَرأتُ بخَطِّ القَاضِي أبي عَمْرو الطَّرَسُوسيِّ: وقد رأيتُ في هذا المَسْجِد -يعني الجامع بطَرَسُوس- من وُجُوه الصَّالِحينَ ما لا أُحْصِي، فمَّن أذكرُ وأَعْرف أبا يَعْقُوبَ إسْحاقَ بن خَلَّادٍ التَّيْلُمِيّ، وقد قَرأتُ عليه مِرَارًا عدَّة قِراءَاتٍ، وسَمِعْتُ منه كتابَ القِرَاءَات لأبي بَكْر بن مُجَاهِدٍ من أوَّلهِ إلى آخره، وفي مَجْلِسه الّذي يُقرئُ فيه أكْثر من ثلاثين شَيْخًا، قُرَّاء، أُستَاذين عُبَّادًا، يُشَار إليهم بالفَضْلِ، والنُّبْل، والوَرَع، والزُّهْد.

فأمَّا قَوَامُ إسْحاق بن خَلَّادٍ، فإنَّهُ كان إذا فَرَغ ضُحَى كُلّ يَوْم من دراسَةِ مَنْ يَقْرأُ عليه، صَار إلى بُسْتَان قد فَارَقَ صَاحِبَهُ على أُجْرَتهِ لعَمَله في كُلِّ يَوْم فَتْل شيء من القَتِّ (٢) مَعلُوم بثُلُثَي دِرْهَم، يُنْفِقُ من ذلك في مَؤُونَتِه ومَؤُونَة زَوْجَتهِ ثُلْثَ دِرْهَم، ويتَصَدَّقُ بما بَقِي، ولم يَذُق شَيئًا من الفَاكِهَة بيَدَه أرْبَعيْن سَنَةً، وعَمَلهُ في البَسَاتِيْن، وهو يَسْرُد الصَّوْمَ خَمْسِينَ سَنَةً، وهذا دَأْبُه.


(١) كان حيًّا في أواخر القرن الرابع الهجري، استنادًا إلى أن مصدر الترجمة له هو أبو عمر الطرسوسي (ت ٤٠١ هـ)، وأن اللقاء به كان في جامع طرسوس، أي قبل سقوط المدينة -وغيرها من الثغور- بيد الروم سنة ٣٥٤ هـ، وأنه كان مواظبًا على العمل والصوم من خمسين سنة. وبهذا اقتضى تقدير تاريخ وفاته قبل نهايات ذلك القرن. ولم نجد له ذكر فيما عدا ابن العديم. ولم نجد من ذكر نسبته: "التيلمي"، وفي أنساب السمعاني ٣: ١١٨ نسبة قريبة: التيملي: بتقديم الميم على اللام، نسبة إلى تيم الله أو اللات، وعدد أسماء مَنْ ينتسبون هذه النسبة، ليس من بينهم ابن خلاد المترجم له أعلاه.
(٢) القتّ: نبت رطب من علف الدواب، يسمى الفِصْفِصة أو الفِسْفِسة. لسان العرب، مادة: قتت.

<<  <  ج: ص:  >  >>