للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَيْد الحَوَرانيّ الأسْوَد المعْتُوه (١)

كان عندنا بحَلَب، وكان رَجُلًا كَهْلًا، وكان لا يُؤْذِي أحدًا، وكان أكْثَر مَقَامِهِ في أُتونَات الحَمَّامات، ويَنام في بَعْضِ الأوْقَات على قَارِعة الطَّريق، وكان يلعَبُ مع الصِّبْيَان ويمَيلُونَ إليه، وكُنْتُ ألْعَبُ معه وأنا صَبِيٌّ، وكان يَتَرنَّم ويقُول لنا ونحنُ صِبْيَان: يا زَيْد الدّقِيق، بالقَاف المَعْقُودة (٢).

وكان حَسَن الأخْلَاق، وكان عَمِّي أبو غَانِم يَعْتَقد فيه، فسَألتُهُ عن سَبَب اعْتِقَادِه فيه، فقال: كُنْتُ يَوْمًا عند الشَّيْخ عليّ الفَاسِيّ في زَاوِيته خَارج باب الأرْبَعِين، فتَجَارَيْنا حَدِيثَ المَلائِكَة والاخْتلَاف في المُفَاضَلَة بينهم وبين بني آدَم، فقُلْتُ أنا: قد ذَكَرَ الحَكِيم أبو عَبْد الله- يعني مُحَمَّد بن عليّ التِّرمِذيّ- أنَّ بني آدَم أفْضَل من المَلائِكَة، وجَعَلْتُ أُرَجِّحُ ذلك، وانْفَضَّ المجلِسِ، ودَخَلْتُ المَدِينَة بعد انْفِصَالي عن الشَّيْخ، فلمَّا صرْتُ تحتَ القَلْعَة من غَرْبيها وجَدْتُ زَيْدًا الحورَانيّ (a) جالِسًا على شَفِير الخندَق، فقَام ومَشَى إليَّ، وتَلقَّاني، وقال لي: أنتُم خَيْر منهم! فأنا أَعْتَقِدُ فيه من ذلك اليَوْم.

وتُوفِّيَ زَيْد الحورَانيّ في حُدُود السِّتّمائة، أو قَبْلها أو بَعْدها، وكان له جنَازَة مَشهُودة، رَحِمَهُ اللهُ (b).


(a) قيده في الأصل- في هذا الوضع- بالجيم "الجوراني"، وفي الذي يليه بالمهملة، وفي ق بالمهملة حيثما
يرد.
(b) ق: رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>