للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ كَيفِيَّة النَّفِيْر بطَرَسُوس وكيف كان يَجْري أمْرَهُ

قَرَأتُ بِخَطِّ أبي عَمْرو القَاضِي في كتابه، قال: يَرْكَبُ المُتَوَلِّي لعَمَل الحِسْبَةِ أيّ وَقْتٍ وَقَعَ النَّفِيْر من ليلٍ أو نَهارٍ، ورِجَّالتهُ بين يدَيهِ يُنَادُونَ بأعْلَى أصْوَاتهم أجْمعَ، صَوْتًا واحدًا، يَقُولُون: النَّفِيْر يا أصْحَابَ الخَيْل والرَّجَّالَة، النَّفِيْر حَمَلَكُم الله إلى باب الجِهادِ. وإنْ أراد إلى بابِ قَلَمْيَة أو إلى باب الصَّافِ (١) أو إلى أي بابٍ اتَّفَقَ، وتُغْلَق سائر أبْوابِ المَدِينَة، وتَحْصُل مفاتيحُها عند صَاحب الشُّرْطَة، فلا تَزالُ مُغْلَقَةً حتَّى يَعُودَ السُّلْطَان من النَّفِيْر، ويَسْتَقِرّ في داره، ثمّ تُفتح الأبْوابُ المُغْلَقَة كُلّها.

ويَطُوف المُحْتَسِبُ ورَجَّالَتهُ الشَّوَارع الجَوَادّ (٢) كُلّها، فإنْ كان ذلك نهارًا انْضَاف إلى رَجَّالَته عَدَدٌ كَثِيرٌ من الصِّبْيَان، وسَاعدوهم على النِّداءَ بالنَّفِيْرِ، وربَّما احْتاجُوا إلى حَشْد النَّاس لشِدَّة الأمر وصُعُوبَةِ الحالِ، فأَمَرَ أهْل الأسْوَاقِ بالنَّفِيْر، وَحَضَّهُم على المسير في أَثَر الأَمِير؛ أين أخَذ، وكيف سَار.

ويكُون مَرْكز صَاحب الشُّرْطَة، إذا وقَعَ النَّفِيْر مع رَجَّالَته المَوْسُوْمين به، عِنْدَ البَابِ الأوَّل الّذي يلي المَدِينَة الّذي يَخْرج منهُ النَّاس إلى النَّفِيْر، وكذلك المُحْتَسِب، إلَّا أنَّ المُحْتَسِب يتردَّد في الأسْوَاق إذا طال أمرُ النَّفِيْر، وتأخَّر خَبَرَهُ، ويَبْعَث على اللُّحُوق بمَنْ سَارَ مع الأَمِير وبمَنْ تَوَجَّه إلى النَّفِيْر، فلا يَزَال الأمرُ على هذا حتَّى يعُودَ السُّلْطَانُ إلى دَار الإمارَة.


(١) المراد: باب الصفصاف، ونقله ابن العديم - بأمانة - كما وجده في كتاب الطرسوسي، وكتب فوقها: كذا، وسيرد أيضًا فيما بعد برسم "الصّاف".
(٢) جمع جادَّة، وهي الطرق الرئيسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>