للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرْفُ التَّاءِ من الكُنَى

أبو التُّرْك السُّلَمِيُّ

كان من أهْل العِلْم والحَدِيْث والجِهاد في سَبِيْل اللهِ بطَرَسُوس، ذَكَرَهُ القَاضِي أبو عَمْرو عُثْمان بن عَبْد الله الطَّرَسُوسِيّ في كتَابِ سِيَر الثُّغُور، وأثْنَى عليهِ ثناءً حَسَنًا.

قَرأتُ بخَطِّ أبي عَمْرو الطَّرَسُوسِيّ، وذَكَرَ سكَك طَرَسُوسَ، فقال: ثمّ تَذْهَبُ لوجْهكَ، فتَجد عن يَمِيْنكَ كَنِيْسَة (a) أبي سُلَيْم فَرَج الخادِم؛ وهي دَارٌ كَبِيرةٌ، تَشْتَمِل على دُور كَثِيرة، يَسْكنها مَوَالِيهِ، فيها ديْوَانه وعَاملُهم وكَاتبهم ورَئيسُهُم، وخَزَائن أسْلِحتهم وعُدَدُهُم، وهذا الوَقْفُ أرْجَى وقُوف طَرَسُوس وأكْثَرها مالًا، وأوفَرهُ وأكْثَرهُ مَوَالِيَ صَالِحين مُجَاهدينَ مُتَنَسِّكِيْن، قد عَرفتُ منهم الأكْثَر، وعَرَفتُ منهم رَجُلًا نَبِيْلًا فَارِسًا من أهل العِلْم والحَدِيْثِ، ذا صَبَاحةٍ ووَضَاءةٍ ومَنْظَر حَسَن، يُعْرَفُ بأبي التُّرْكِ السُّلَمِيّ، ما رَكب قَطُّ إلى نَفِيرٍ في صَيْفٍ ولا شتَاء، قَرُبَ النَّفِيْرُ أم بَعُد مَدَاهُ، صَدَق خَبَرُه أم كَذب، إلَّا لَبِس لأْمَتَهُ وستَرها بدُرَّاعَةٍ! فسَألتُهُ عن السَّبَب في ذلك، فذَكَرَ أنَّهُ نُودِي في بَعْض الأزْمِنَة بالنَّفِيْر إلى باب قَلَمْيَة فبادَر مُسْرِعًا، وكذلكَ كان رسْم النُّجَباءِ المُتَحرِّكين في الجِهادِ، المُسَارعة إلى النَّفِيْرِ، فلَقِي العَدُوَّ بمكانٍ قَريب من (b) البَلَدِ، وكان السُّلْطانُ حينئذٍ في الغَزْو، فبَاشر القِتَال، وأعانَهُ من المُسْلمِيْن قَوْمٌ آخرونَ فظَفَّرَهُم اللهُ بمَن وَرَد، ونصَرَهُم وعَادُوا إلى طَرَسُوسَ سَالمِين غَانِمين، فعَقَدَ بينَهُ وبين اللهِ عزَّ وجلَّ لا رَكب بعدَها إلى جهادِ غَزْو ولا نَفِير، إلَّا بعد أنْ يتأهَّبَ أُهْبَة الحَرْب، كما يتأهَّب مَنْ يُبارز عَدُوَّه في مصَافِّه وأوْقَاتِ حَذَره وخَوْفهِ.


(a) قراءة تقريبية، وصورة ما كتبه ابن العديم:
|
(b) م: عن.

<<  <  ج: ص:  >  >>