وفي جَبَل هذا الحِصْن شَجَر جَوْز مُثْمر، مسافَتُه ثلاثة أمْيَال في عَرْض مِيْل، فإذا حَان إدْراكُه، خَرَجَ وَالي الجَوْزات وَجَميع رَجَّالته، إلَّا مَنْ يَضْبطُ الحِصْن من الثِّقات، فينفضُون الجَوْز أيَّامًا، وضَمَّ كُلّ واحدٍ ما نَفَضَه، وَعَدَّ بالإحْصاء ما حصل، فَدفعَ إلى الوالي من كُلِّ عَشرة آلاف جَوْزَة ألف جَوزة، وأمْسَك لنفسه تسْعَة آلاف، فيَجْتَمع للوَالي - أعْني: والي الجَوْازَات - من ذلك خَمْسمائة ألف جَوزَة وأكثر، وممَّا يَنْمَحِقُ من ذلك بالمُسَامحة فيه عند ضَمِّه مَعَ ما تَعَذَّر نَفْضُه، لبُعْدِ فرُوع أشجاره، وتَعَذُّر وُصُول النَّاسِ إليهِ، أكثر ممَّا وَصَفْت، فتَمْتَلئ بُيوت الجَوْزَانيِّينَ كُلّهم من الجَوْز؛ يَرْتَفِقُونَ به مُدَّة أيَّام الشِّتَاءِ، ويتَهادوْنَهُ إلى طَرَسُوس، إلى ذِي مودَّاتِهم وقَرَاباتِهِم.
وفي فَضَاءٍ من عَمَل الجَوْزَاتِ مَنْبِت للأُشْنَانِ (١) الزِّبَطْريّ، فإذا تناهَى إدْراكه ضَمُّوه، وارْتَفَقُوا بهِ من هَدِيَّةٍ وبَيْعٍ واسْتعمال.
وفي هذا الجَبَل أشْجار مَخْصُوصَة بأوْكَار البُزَاةِ يَعْتادُهَا قَوْم من الجَوْزَانيِّيِن، فإذا فرَّخَ في وَكْره، تعهَّدَهُ الطَّالبُ له بالتَّفَقُّد وتردَّد إليه، حتَّى إذا صَلَح، تَلَطَّف بحيْلَةٍ في نَقْل الفِرَاخ، ودَبَّر تَربيتها، وتكلَّف حملَها إلى طَرَسُوس، وربَّما بيْعَ الواحد بمائةٍ وخَمْسين دِرْهمًا، فيَسْتَحيل إلى الفَرَاهَةِ إذا عُلِّم وضُرِّي، فبلَغ خَمْسمائة دِرْهَم وأكثر.
(١) الأشنان: يتخذ من نبات الحَمض وقيل: الحرض؛ تغسل به الأيدي والثياب لإزالة الدهن والمرق والودك وما أشبهه. لسان العرب، مادتي: أشن، حرض.