للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَبهِ تَوفِيْقِي

وفي جَبَلها أيضًا عَقَّار يُعْرَفُ بالغَارِيْقُون (١) يُحْمَلُ منه إلى أكْثَر الأقالِيْمِ.

حَدَّثَني أبو مُحمَّد عَبْدُ الله بن أبي مَرْوَان المَعْدَانِيّ، وهو الأفْطَسُ، وهو ممَّن رَابَط وجَاهَدَ في حِصْن الجَوْزات ثلاثين سنةً، أنَّهم أُخْرِجُوا في فَاثُور (٢)، فوجَدَ أحَدُهُم شيئًا من الغَارِيْقُون، فرفعَه في مِئْزَر معَهُ، ثمّ وجَدُوا ماءً يَنْبُع من عَيْن، فعرَّسُوا عليها، وأخْرجُوا زَادَهُم، ورفعُوا الغَارِيْقُون من المِئْزَر في مِزْوَد معٍ أحَدِهِ، وبَلُّوا كَعْكًا معَهُم بذلك بالماء البارد، ولَفُّوه في المِئْزَر، وسَار ثلاثةٌ أو أربعةٌ منهم يَتَجَسَّسُونَ مكانهم لئلَّا يُعْلَم بمكانهم، فتَناول صاحبُهُم شيئًا من الكَعْكِ المَبْلُولِ، فنالَ منه، وأبْطَأَ أُولئك، فعَمِل الغَارِيْقُون المُلْتَصِق بالمِئْزَر في طَبعْ الرَّجُل، وتَرَدَّد (٣) واخْتَلَف، فَوافاه أصْحَابُهُ وقد تَرَدَّد نحو مائتي طَرِيقٍ، وحِيْلَ بينَهُ وبين القُوَّة والحَرَكَة، فرأوا أنْ قَطَعُوا دَهْقَين (٤)، وجَعلوا صاحبَهُم في عَبَاءٍ، وحَمَلُوه بينَهُم إلى الجَوْزَاتِ، فعُوْلِج وعُوفِي، فباعَ ما كان معَهُ من الغَارِيْقُون بجُمْلَةٍ جَامِلَةٍ.

وَمَا وَطِئ هذا الحِصْنَ منذ ملكَه المُسلِمُونَ وشَيَّدُوه إمْرَاةٌ، ولا أُطْلقَ لأحَدٍ أنْ يَدْخُل بغُلامٍ أمْرَد، إلى أنْ أُخْرج عنها المُسلِمُونَ، وإنَّما يُخْتار لها أهل القُوَّة والبَأْس، ومَنْ يُعاني أعْمَال السِّلَاح المُخْتلفَة كالثِّقَاف بالسَّيْف والرُّمْح، والرَّمي عن القِسِيّ الفَارِسيَّةِ، وقِسِيِّ الرِّجْل، من أبْنَاءِ أرْبَعين وما زاد وما نقَصَ، فإذا حضَر الغَزْوُ فقد رُسِمَ الجَوْزَانيُّونَ يومًا في سَاقة عَسْكَرِ


(١) الغاريقون: نوع من الفطر يظهر على بعض أشجار تلك المنطقة خصوصًا السرو (الشربين)، ويستخدم كدواء مُسهل، نافع لأمراض عديدة كوجع الكبد والكلى والمغص والصرع والربو وعسر البول. ابن البيطار: الجامع ٣: ١٤٦ - ١٤٧.
(٢) الفاثور: الجماعة في الثغر الذين يذهبون خلف العدو في الطَّلب أو التجسُّس. تاج العروس، مادة: فثر.
(٣) التَّرَدُّد: كثرة الذهاب لقضاء الحاجة.
(٤) الدَّهَقُ: خشبتان يُغْمَز بهما الساق. لسان العرب، مادة: دهق.

<<  <  ج: ص:  >  >>