وسَيَّرَ إليَّ القَاضِى بَهَاء الدِّين أبو مُحمَّد الحَسَنُ بن إبْرَاهِيْم بن الخَشَّاب أوْراقًا بخَطِّهِ، ذَكَرَ لي أنّه نَقَلها من خَطِّ الشَّيْخ أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد الله ابن أبي جَرَادَة، فَنَقَلْتُ منها ما صُورته: كانتِ حَلَبُ في أوَّل الإسْلام إلى آخر مُلْك بني أمَيَّة مُضَافةً إلى قِنَّسْرِيْن، ومَعْدُودَةً منِ أعْمالها، ولذلك قَلَّ ذكْرُهَا في الأخْبار عن ذلك الزَّمان، ثمّ تَدَرَّجَتْ في العِمَارَة وقِنَّسْرِيْن في الخَرَاب، حتَّى صَارت مُضَافة إلى حَلَب في أيَّام بَني العبَّاس، ووَليها لهم جَمَاعَة من الهاشِميّين وخَاصَّة بنُو صَالِح بن عليّ بن عَبْد الله بن عبَّاسٍ.
فهذه المُدنُ والثُّغُور، الّتي أوْردنا ذِكْرها في هذا الفَصْلِ، هي شرْطُ كتابنا هذا، وقد بيَّنَا أنَّها من أعْمَال حَلَب، وإنْ وقعَ الاخْتلاف في بَعْضها، فلا بُدَّ من ذِكْرها في هذا الكتاب، وذِكْر ما وَرد فيها، وذكْر مَنْ دَخَلَها أو اجْتَاز بها، أو كانَ من أهْلها إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى] (a).
بابٌ في ذِكْرِ فَضَائِل الشَّام ولحَلَب وبلَادها منها أوْفَر الأقْسَام
وقد ذكَر الحَافِظ أبو القَاسِم الدِّمَشْقِيّ في تاريخ دِمَشْق (١) من فَضْله ما كَفَى، وأوْرد في ذلك من الأحاديث والآثار ما أشْبعَ القَوْل فيه وشَفَى، فإنَّه أطال فيما ذكرَهُ وأطْنَب، وأكْثَر النَّقْل فيما أوْردَه وأسْهَب، ومَدَّ عِنَان قَلمِهِ فيما سَطرَهُ وأطْلَقَهُ، وأوْسَعَ المجال في كُلِّ حديثٍ. أسْنَدَه وبَيَّن طُرُقه، فاكْتَفينا
(a) ما بين الحاصرتين، صفحة مُنفردة وردت في نسخة الأصل في [٥ أ ٥ ب]، تليها ورقة بيضاء بصفحيها، وقد قدَّرنا أنْ يكون موضعها هنا، اعتمادًا على إفادة المؤلِّف من أنَّه عدّد أسْماء ما يتَّصل بأعمال حلَب في هذا الفصل، وهذه الصفحة تتَّصل بنصٍّ سابق فيه نقلٌ عن البشاريّ المقدسيّ.