للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زِبْرِج الثَّمِليّ الأسْوَد (١)

من مَوَالِي ثَمل الخادِم أمير طَرَسُوس.

وكان زِبْرج من الصَّالِحين المُرَابِطين بطَرَسُوس، المُقِيْمِين بجَامِعها، المشتغلين بالعِبَادَة آناء اللَّيْلِ وأطْرَاف النَّهَارِ، لا يَشغَلُه عن ذلك إلَّا الجِهاد، أو تَشْييع جنَازَة، أو عيَادَة مَرِيْض.

قَرأتُ بخَطِّ أبي عَمْرو عُثْمان بن عَبْد الله بن إبْراهيم الطَّرَسُوسيِّ في كتابهِ الّذي وَسَمَهُ بسِيَرِ الثُّغُور، وذَكَرَ فيه جَامع طَرَسُوس، وقال: وفي هذا المَسْجِد زِبْرج الثَّمليِّ الأسْوَد، تَرَكَ اللَّذَّة وزِينة الدُّنْيا في أيَّام ثَمل، رَحِمَهُ اللهُ، وحَفِظ القُرآن، وبرَع فيه، وتَنَسَّك وجَعَل قُوْتَه من المُبَاح، وقَوامَ عَيْشه ممَّا يَجْمَعُه منه من سَنَةٍ إلى سَنَةٍ.

وكان يأوي إلى دُوَيَرة له بباب الصَّاف (٢)، طَرِيقُه إليها على رَجُلٍ يُعْرَفُ بأبي الحَسَن بن العَلَاء الأَذَنِيّ، وكان ابن العَلَاءَ هذا من تُنَّاءِ مَدِينَة أَذَنَةَ، وأحَد وُجُوهها، ويُظْهرُ حُبَّ الصَّالِحين، ويُدَاخِل أهْلَ حِصْن أوْلاس ومَنْ يَجِري مَجْرَاهم، فوَشَى به إلى بني عَبْد البَاقي مَنْ أفسَد حالَهُ معهم، واقْتَضت الصُّورَةُ أنْ يَنْحازَ عن أَذَنَةَ إلى طَرَسُوس، لأنَّها كانت مَلْجأ كُلّ طَرِيد، وعِصْمَة كُلّ شَرِيْد، وكُنَّا ذا لسَانٍ وحالٍ.

فحدَّث زِبْرج الثَّمليِّ مَنْ يَأنسُ بهِ أنَّ ابن العَلَاءِ هذا سَألَهُ مِرَارًا، ورغبَ إليه أنْ يَجْعل إفْطَارهُ عنده، وأنَّهُ لمَّا أكْثَر عليه اسْتَحيى منهُ، فأجابَهُ فقَدَّم له


(١) كان حيًا سنة ٣٥٤ هـ.
(٢) هو باب الصفصاف، أحد أبواب مدينة طرسوس، تقدم ذكره في الجزء الأول من الكتاب، ووقع التنبيه هناك على أن القاضي الطرسوسي يذكره بهذا الرسم حيثما ورد في كتابه سير الثغور.

<<  <  ج: ص:  >  >>