للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَغْداد:

يَذكُر الزَّرْكَشِيُّ أنَّ المَلِكَ النَّاصِرَ يُوسُفَ بن مُحمَّد بن غَازِي، صاحِبَ حَلَب، أرْسَلَ ابنِ العَدِيْم إلى الخَلِيفة ببَغْدادَ مِرارًا (١)، ولَم يُفصِّلْ في مَضامين سِفاراتِه هذه ولا متى وَقَعت.

وأقْدَمُ ما يَردُ عن رَحَلاتِه إلى بَغْدَادَ، هي تلك الرِّحْلةُ الَّتي تَرَافَقَ فيها ابنُ العَدِيْم وابنُ سَعِيدٍ الأنْدَلسُيّ (٢)، وكان وصُولُهم إلى بَغدادَ في شَهْر شَعْبان سَنَة ٦٤٨ هـ (٣)، ونَجِدُ أوْفَى التَّفاصِيل عن هذه السِّفارةِ في كتابِ النُّوَيْريّ، نَقَلهُ من تاريخ عليّ بن أنْجَبَ ابن السَّاعِيّ الَّذي كان حاضِرًا في حَفْل تَسْليم الرِّسَالة.

جاءَتْ هذه السِّفارةُ في أعْقابِ اسْتيلاءِ المَلِكِ النَّاصِر يوسُف ابن المَلِك العَزِيز مُحمَّد بنِ غازي على دِمَشْق سَنة ٦٤٨ هـ، بعد مَقْتل اللَكِ تُورَانشاه، وكان الهَدَفُ من ورءِها تقديمَ وَاجِبِ الوَلاء والطَّاعة للخَلِيفةِ المُسْتَعصِم بالله، والْتِماسَ رِضَاه ومُبارَكتَهُ لصَاحِبِ دِمَشْق الجديد.

كان وصُولُ ابن العَدِيْم إلى بَغْدادَ في شَهْرِ شَعْبانَ من السَّنَةِ المَذْكُورةِ، وخرَجَ إلى لقائِهِ مَوْكبُ الدِّيوانِ العَزِيزيّ على جاري العادة، يتقدَّمُهم عَارضُ الجَيْش، وإلى جانِبَيه خادِمَانِ من خَدَمِ دِيوانِ الخلَافة، وحَضَرَ إلى بابِ النُّوبيّ لتَقْبيلِ العَتَبَة (٤)، وأُخْرجَتْ له سَجَّادةٌ وبُسِطَت وأمَرُوه أنْ يُصَلِّي رَكْعتَيْن زيادةً قي إكْرامِه، وعُلوًّا لقَدْره وفَضِيلَته، ثُمَّ قيلَ له: "نحنُ نُعظِّم الرُّسُل لأجْلِ مُرْسِليها، ونحقُ نُعَظِّم مُرْسلك لأجْلك، فاحْتُرِم غاية الاحْتِرام" (٥).


(١) الزركشي: عقود الجمان ورقة ٢٣٧ ب.
(٢) بشار عواد: العثور على أثر جديد لابن سعيد (ضمن كتاب بحوث ودراسات مهداة إلى إبراهيم شبوح؛ قيد الطبع).
(٣) كان ابن سعيد الأندلسي قد أقام في حلب من سنة ٦٤٤ - ٦٤٧ هـ ثم توجه منها إلي دمشق، وارتحل منها إلى بغداد.
(٤) اليونيني: ذيل مرآة الزمان ١: ٥١٠، النويري: نهاية الأرب ٢٩: ٣٧٠.
(٥) اليونيني: ذيل مرآة الزمان ١: ٥١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>