للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْم الأرْبعاء لليلَتَيْن بَقِيَتا من جُمادَى الآخرة سَنَة إحْدَى وتِسْعين وأرْبَعمائة، فحُمِلَ إلى مَقْبرة باب حَرْب، ودُفِنَ إلى جَنْب قَبْر أحْمَد بن حَنْبَل، وهو اليوم الّذي تُوفِّي فيهِ ابنُهُ عبد الوَهَّاب رَحِمَهما اللهُ.

رِزْق الله بن عُبَيْدٍ الجَزرِيّ السِّنْجَارِيّ (١)

كان رَجُلًا صَالِحًا، فَقِيرًا، حَسَنًا، وكان قد صَحِبَ عَمِّي أبا غَانمٍ مُدَّةً طَويلةً بسِنْجَار، وقَدِمَ علينا حَلَب، ونَزَلَ عند عَمِّي بالمَسْجد المَعْرُوف بنا، وبَقِي فيه مُدَّةً.

وكان له صَوْتٌ حَسَنٌ، وكان يَغْلبُ عليه الوجْدُ والحال في بَعْضِ الأوْقَاتِ، فيُنْشِدُ البَيْتَين والثَّلاثة إنْشَادًا طَيِّبًا، ويَتَرنَّم بصَوْتٍ حَسَنٍ من قَلْب مُشْتاقٍ، وعلَّقْتُ عنه أبْياتًا من الشِّعْر لا يَحْضُرني ذِكْرُها.

وأَمْلَى عليَّ يَوْمًا من الأيَّام (٢)، قال: رُوِي أنَّ بعْضَهم عُزِلَ عن وِلَايةٍ، فكَتَبَ إليه صَدِيق له يتَغَمَّم لذلك، فأجابَهُ بأنْ قال: أوْزَارٌ خَفَّت، وأقْلَامٌ بالسَّيِّئات جَفَّت، والجَنَّةُ بالمَكَارِه حُفَّت.

قال لي يُوسُف بن أبي طَاهِر الكُرْديّ المَنْبجِيّ المُلَقِّنُ: كان رِزْق الله من الأوْلِيَاءِ.

وحَكَى لي الشَّيْخ عَبْد الله الكُردِيّ المُحَدِّث نَزِيل حَلَب، قال: كان رِزْقُ الله بن عُبَيْد رَجُلًا صَالِحًا، من الأسْخِيَاء الأجْوَادِ، وكان ذا مالٍ وثَرْوةٍ، وكان أبُوه عُبْيْد من أهْلِ الجَزِيرة، وماتَ عن مَالٍ جَزِيل مقْدَاره مائة ألْف دِرْهمٍ، وكان لرِزْق الله أخٌ، فدَفَع إليه رِزْقُ الله ما يَخُصّ أخاهُ من التَّرِكَةِ، وأنْفَقَ رِزْق الله قِسْمَهُ على الفُقَراءِ، وتجرَّد عن الدُّنيا.


(١) توفي نحو سنة ٦٠٠ هـ.
(٢) أورده ابن العديم أيضًا في تذكرته ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>