للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخْبَرَني تَاج الدِّين أحْمَد بن هِبَة الله بن أمِيْن الدَّولَة، قال: سَمِعْتُ الشَّيْخ أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد المُدَرْوِز، يقُول: إنَّ سَبَبَ اشْتِغَالي بالدَّرْوَزَةِ أَنَّنى كنتُ قد حَجَحْتُ وزُرْتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فبقيتُ بالمَدِيْنَة ثلاثة أيَّام لا أطْعَمُ طَعَامًا، فجئتُ إلى قَبْر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وجَلَسْتُ عندَهُ، وقُلتُ: يا رسُول الله، أكُونُ ضَيْفَك ولي ثلاثة أيَّامٍ لم أُطْعَم طَعَامًا؟! قال: فهَوَّمْتُ وانْتَبَهتُ وفي يدِي دِرْهَمُ كبيرُ، فخرجْتُ واشْتَريْتُ به شيئًا أكَلْتُهُ، وشيئًا للُبْسِي، ثمّ اشْتَغَلْتُ بعد ذلك بالدَّرْوَزَة.

قُلتُ: وكان المَلِك الظَّاهِر رَحِمَهُ اللهُ وأُمَرَاؤُه يَحتْرَمُونَهُ ويُكْرمونَهُ.

وتُوفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ بحَلَب بمَسْجِد السَّيِّدة في ثامن شَوَّال من سَنة سَبْعِ عَشْرة وستِّمائة، وكان قد ناهَز مائةَ سَنَة، وصُلِّي عليه بالمَسْجِد الجامع، ودُفِن بمقام إبْراهيم، ومَرُّوا بجَنَازَتهِ على باب دارِي، وصَعدْتُ إلى غُرْفَة في الدَّار مُشْرفِة على الطَّريق، فوجَدْتُ زَوْجَتي فيها نائمةً، فنَبَّهتُها، وقُلتُ: اجْلِسِي وانْظري جَنَازة الشَّيْخ أحْمَد المُدَرْوِز، فانْتَبَهت وقالت لي: السَّاعَهَ رأيتُ في منامي جنَازةً تَمُرّ بين السَّماءَ والأرْض، والمَيِّت مُغَطَّى بإزَارٍ أبْيَض والهَوَاءُ يُهَبِّبُه، وقد جَاءوا بالجنازَة إلى مَشْهَد المَلِك رِضْوَان خارج حَلَب، فأدْخلُوا الجنَازة إلى البُسْتَان إلى جانبهِ، وهو البُسْتَان المَعْرُوف بالجُنَيْنَة.

قُلتُ: وتَبع جَنَازَته جَمْعٌ عظيمٌ، رَحْمَةُ الله عليهِ.

أحمدُ بن عَبْد الوَاحِد بن مِرَى، أبو العبَّاسِ الحَوْرَانيّ القَاضِي، المُلَقَّبُ بالتَّقيّ الشَّافِعيّ (١)

فَقِيْهٌ فَاضِلٌ، أدِيبٌ زَاهِدٌ، شَاعِرٌ.


(١) توفي بعد وفاة ابن العديم سنة ٦٦٧ هـ، وترجم له الحسيني: صلة التكملة لوفيات النقلة ٢: ٥٧٧ - ٥٧٨، =

<<  <  ج: ص:  >  >>