للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الّذي ذَكَرَهُ الخَطِيبُ، من أنَّ الإقْليم الخامِس بلاد الرُّوم والشَّام، وَهْمٌ فاحشٌ لأنَّ البِلَاد الشَّمَاليَّة من الشَّام وهي الّتي حَكَينا فيها عن الخَالِديّين والجَيْهَانِيّ وأبي الحُسَيْن بن المُنَادِيّ، وعن الرِّسَالَة التي ذكَرْنَاها في أوَّل الباب مَا حَكَيْناهُ، اتَّفَقُوا كُلّهم على أَنَّها من الإقْليم الرَّابِع، وما عَدَا هذه البِلاد من بلاد الشَّام -وهي الأكْثَر- هي من الإقْليم الثَّالث، فكيفَ يَجْعَل الشَّام جميعَهُ من بلَادِ الإقْليم الخامِس ولم يذهَبْ أحَدٌ إلى ذلك، وإنَّما أوْرَدنا قَوْلَهُ لوصْفه الإقْليم الرَّابِع لكونه أوْسَط الأقالِيْم وأعْمَرَها. واللهُ الموفِّق للصَّواب.

بابُ ما جاءَ في صِحَّةِ تُرْبَة حَلَب، وهَوَائها، واعْتِدَالِ مِزَاجها، وخِفَّة مائها

اعْلَم أنَّ هَواءَ حَلَب الغَرْبيّ يُنْعِشُ الأنْفُسَ ويُحْييها، ويُرَبِّي الأجْسَامَ ويُغَذِّيْها، ويُؤثِّرُ في الأجْسادِ كتأْثيرهِ في الزُّرُوع بعدَ الفَسَاد، فإنَّ الزَّرْع بها قد يَذْبُل ويَبُور، فيَخْضَرُّ عندما تَهبُّ عليه الدَّبُور، ومياهُهَا بالرِّقَّةِ والخِفَّة مَوْصُوفَة، وتُرْبَتُها بقلَّةِ العُفُوناتِ مَشهُورةٌ مَعْرُوفةٌ، وهذه الأسْبابُ مُوْجِبَةٌ للصِّحَّة والاعْتِدال، مُؤثِّرةٌ في دَفْعِ الأسْقَام والأعْلَال.

وما أحْسَن ما وصفَها عَبْد المَلِك بن صَالح، وجَمعَ في أوْجَز كلام ما فيها وفي بلادهَا من المَدَائح، وقد قيل له يَوْمًا: يا أبا عَبْد الرَّحْمن، ما أحْسَنَ بلادَكُم! فقال: وكيف لا تَكُون كذلك، وهي تُرْبَةٌ حَمراءُ، وسُنبلةٌ صَفْراءُ، وشَجَرةٌ خَضْراءُ، فيافي فُيَّح، وجِبَالٌ وُضَّح (١).


(١) المسعودي: مروج الذَّهب ٤: ٢٧١، الآبي: نثر الدر ١: ٤٤٦، ياقوت: معجم البلدان ٥: ٢٠٦، ابن العديم: زبدة الحلب ١: ٧١، ابن شدَّاد: الأعلاق ١/ ١: ١٠٥، أبو الفداء: اليواقيت والضرب ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>