للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُور العِيْن، وهم (a) يقُولُونَ: تَنَحَّ يا أبا قُدَامَة وخَلِّ بيننا وبينَ وَليّ اللَّهِ، فتنحَّيْتُ، وأقْبَلَت السِّبَاعُ والطَّيْرُ من كُلِّ ناحيةٍ فتقاسَمَتْ لَحْمَهُ في أسْرَعَ من طَرْفَةِ عَيْن.

فلمَّا رَجَعْتُ إلى المَدِينَة، أخَذْتُ خُرْجَهُ ومَضَيْتُ به إلى مَنْزِله، فلمَّا قَرَعتُ بابَهُ، خَرجَتْ إليَّ أُخْتِّ له صَغِيرَة (b)، فلمَّا نظَرَتْ إليَّ قالت: يا أمَّه، هذا أبو قُدَامَة قد قَدِمَ، وما أرَى أخي معه! قال: فَخَرَجَتْ وَالدتُه فسَلَّمتْ علَيَّ، وقالت: أبا قُدَامَةَ، أَمُهَنِّئٌ أم مُعَزِّي؟ قُلتُ: وما مُهَنِّئٌ، وما مُعَزِّي (c)؟ قالت: أبا قُدَامَة، إنْ كان وَلدِيِ قد مات فعَزِّ، وإنْ كان اسْتُشهِدَ فهَنِّ، قال: قُلتُ (d): بل مُهَنٍّ رَحِمكَ اللَّهُ؛ إنَّ ولَدَكِ اسْتُشْهِدَ رَحْمَةُ اللَّهِ عليه، فقالت: الحَمْدُ للَّهِ، يا أبا قُدَامَة، إنَّ لي في وَلدِي عَلامةً هل رَأيتَها فيه؟ قُلتُ (e): نَعَم، قال (f): إنَّ الأرْض لَم تَقْبَلْهُ (g)، قالت: الحَمْدُ للَّهِ، ما فَعَل خُرْجُهُ يا أبا قُدَامَةَ؟ فنَاولْتُها ففَتَحَتْهُ وأخرجَتْ منه مِدْرَعَةَ شَعرٍ وغُلَّا من حَدِيدٍ، ثمّ قالت: أبا قُدَامَة (h)، كان وَلَدِي إذا جَنَّهُ اللَّيْلُ، وغارَت النُّجُومُ، ولَم يَبْقَ إلَّا الحَيّ القَيُّومِ، تدَرَّعَ بهذه المِدْرعَة، وغَلَّ بهذا الغُلِّ يَدَهُ إلى عُنُقهِ، ثُمَّ ناجَى مَنْ لا تأخذُه سِنَةٌ ولا نَوْمٌ، وكان يقُول في مُنَاجَاتهِ: أَيْ رَبّ، لا تَحْشُرني إلَّا من بُطُون السِّبَاعَ وحَوَاصل الطَّيْر، فالحَمْدُ للَّهِ الّذي مَنَّ عليه بذلك.

أبو القَعْقَاع الجَرْميُّ (١)

شَهِدَ صِفّيْنَ مع عليّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، وحَكَى عن الوَقْعَةِ، رَوَى عنهُ أبو جَنَابٍ (i) الكَلْبيُّ.


(a) كذا في الأصل وم وفوقها وفوق التي تليها في الأصل "صـ"، كتبه كما وجده غير معرب.
(b) م: أخته صغيرة.
(c) من قوله: "وقال أبا قدامة. . . " إلى هنا ساقط من م.
(d) م: فقلت.
(e) م: قال.
(f) م: قالت.
(g) بعده في م: "قلت نعم".
(h) م: يا أبا قدامة.
(i) م: خباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>