للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِب يس حَبْيْبٌ فيَها … وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ وَجِيْهَا

في الخلُد والثِّمَارِ يَجْتَنِيْهَا … أكْرِم به مُفْتَخَرًا نَبِيْهَا

وقال في تَفْسير الأبْيات: أمَّا أَنْطاكِيَةُ فإنَّ لها حِصْنًا نصفٌ في السَّهْلِ ونصفٌ في الجبَل، ولا يَدْخلُها البَقُّ، ومَنْ خَرَجَ منها آذاهُ البَقُّ، وهي كَثِيْرة الفَأر، والتِّيْنُ القِلَّارِيُّ لا يَكُون إلَّا بها، ويُعْرفُ بالعِرَاقِ: بالشَّاميّ، وصاحب يس: حَبِيب النَّجَّار، قَبْرهُ بها، وهو الّذي قال: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (١).

بابُ ما جَاءَ في ذَمِّ أَنْطاكِيَةُ

قيل: إنَّ أَمِيرَ المُؤمِنِين هارُون الرَّشِيد، رَحْمة الله عليه، كانَ وَرَدَ أَنْطاكِيَةُ، فاسْتَطابَها جدًّا، وَهَمَّ بالمَقام فيها، وكَرِهَ ذلك أهْلُها، فقال له شيخٌ منهم، وصَدَفهُ (a) عن الصُّورة: يا أَمِير المُؤمِنِين؛ ليْسَت هذه مِنْ بُلدانك، قال: وكيف؟ قال: لأنَّ الطِّيْبَ الفاخِرَ يتَغيَّر فيها حتَّى لا يُنْتَفع به، والسِّلاح يَصْدَأُ فيها، ولو كان من قَلْعِ الهِنْد، فتركَها ورَحَلَ عنها.

ويُقال: إنَّ أَنْطاكِيَةُ كَثِيْرة الفَأْر، وقد ذَكَر ذلك أبو عَمْرو القَاسِم بن أبي دَاوُد الطَّرَسُوسِيّ في أُرْجُوزَةٍ له، فقال في ذكر أَنْطاكِيَةُ: [من الرجز]

والبَقُّ لا يَدْخلُها ويَتَّصل … لكن بها فأرٌ عظيمٌ كالوَرَل


(a) في الأصل: وصَدّقهُ، فخففها بإزالة الشدة، وشطب إحدى نقطتي القاف: وصَدَفه. وعند ابن الفقيه (البلدان ١٦٥)، وابن شداد (الأعلاق الخطيرة ١/ ٢: ٨٨): وصَدَقَه، والصواب ما أثبت بالفاء؛ أي أمالَه عن وجهته وجعله يعرض عنها، يقال أصْدَفني عنه كذا أيَّ: أمالني، وصَدَفَ عنه: عدل وأعرض. لسان العرب، مادة: صدف.

<<  <  ج: ص:  >  >>