للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

مُحَمَّد بن عُبَيْد الله المُسَبِّحِيُّ، أبو عُبَيْد الله

" نَقَلْتُ من خَطِّ الصَّاحِب الكَبِير كَمال الدِّين بن أبي جَرَادَة ممَّا اخْتَارَهُ من تاريخ المُسَبِّحِيّ: وفي ضَحْوَة نَهار الاثْنَين التَّاسِع من شَعْبان سَنَة أرْبَعمائةٍ، تُوفِّي والدِي، رضِي اللهُ عنه وأرْضاه، وجَعَل الجَنَّةَ مأواه، وهو أبو القَاسِم عُبَيْد الله بن أحْمَد بن إسْماعِيْل بن عبد العَزِيْز الحَرَّانيّ المَعْرُوف بالمُسَبِّحِيّ. وكان مَرَضُه من قَطَائِف أكَلَ منها شَيئًا فأسْهَلَه، وكان قد بَلَغَ من السِّنِّ ثلاثًا وتِسْعين سَنَةً، وأقام في مَنْزله مَصُونًا عن المَصائِب والنَّوائِب أرْبَع سِنين مَخْدُومًا على البَرَاذع والوَسائِد، ولَم يَرَ مُصِيبَةً في عُمْرِه. وكان صَحِيحَ السَّمْع والبَصَر والعَقْل.

قال: ولمَّا كانت اللَّيْلةُ الَّتي تُوفِّي فيها، رَضِي اللهُ عنه، ذَهَبْتُ إلى المَسْجِد الجامِع العَتِيق ومعي من فَواضِل نِعَم الله ما تَصَدَّقْتُ به عنه، وسألْتُ جَماعَةً من أهْل السَّتْر والقُرْآن الدُّعاءَ له، ورَغِبْتُ إلى الله سُبْحانه في إمْتاعِي ببَقائِه.

وعُدْتُ بعد العَتْمَة، وهو رَضِي اللهُ عنه جالِسٌ على فَرْشِه، فقال لي: يا بُنَيَّ، شَغَلْت والله قَلْبي بتأخُّرِك إلى هذا الوَقْت، فأين كُنْتَ يا سَيِّدَ أبيه؟ قُلْتُ: كُنْتُ في الجامِع العَتِيْق لحاجَةٍ لي هُناك، قال: بحَياتي ما هي؟ قُلْتُ: الرَّغْبَة إلى اللهِ جَلَّ اسْمُه في طُولِ عُمْرِكَ، قال: تَقَدَّمْ إليَّ، فتَقَدَّمْتُ إليه، فقَبَّلَ بين عَيْني وقال: يا بُنَيَّ، مَن يُخَلِّفكَ ما مات، قُلْتُ: يا مَوْلاي، فهل تَجِد ألَمًا أو وَجَعًا، قال: لا واللهِ، ولا شَيئًا ممَّا يُشْتَكى بالجُمْلة غير أنَّ رُوحِي صَغِيرة. فأمَرْتُ مَنْ في دَارِنا بإصْلاح ماءِ الفَرَارِيْج وماءِ اللَّحْم وتَطْييبه وإعْدَادِه، فقال لي: يا بُنَيَّ، دَارُكَ وعِيالُك ووَالدِتُك وأُخْتُك وعَمَّتُك؛ ما أحْتاجُ إلى ذِكْرِ أحَدٍ منهم لك إنْ مُتّ، إذْ كنتَ عليهم أشْفَقُ وأرْفَقُ من أنْ تَحْتاج منِّي إلى وَصِيَّة في أمْرِهم، وما أوصِيك إلَّا بأمْر نَفْسِي: ابْتَع لي كَفَنًا بكَذا، وتابُوتًا بكذا، وحُنُوطًا بكذا، وأخْرِجْ عَنِّي حَجَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>