وكان فَقِيهًا فَاضلًا، متَرَسِّلًا، يَرْجع إلى أدَبٍ وفَضِيْلةٍ، وكِفَايَةٍ في الأُمُور.
قَدِمَ علينا حَلَب في أيَّام المَلِك الظّاهِر، فأحْسَنَ إليه ووَصَلَه.
واجْتَمَعْتُ به في مَجْلِس أبي عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر، وجَالَسْتُه، ولَم أتَحقَّق شَيئًا من مُجَالسته ومُحَاضَرته، وكان قَصِيْرًا جدًّا، كَافِتًا (a) جَلدًا.
وبَلَغَني أنَّهُ كان وَزَر لحُسَام الدِّين أبي الهَيْجَاءِ السَّمِين، ومَضَى معه إلى بَغْدَاد، وكان هو المُتَحَدِّثُ بينَهُ وبين وَزِير بَغْدَاد، فضَمِنَ للوَزِير أشْيَاءَ عن مَخْدُومه، وضَمِنَ لمَخْدُومه شَيئًا عن الوَزِير، فأقام أبو الهَيْجَاء أيَّامًا، فلَم يَظْهَر أثَرٌ لِمَا قَالهُ عن كُلّ واحدٍ منهما، فأرْسَل إلى الدِّيْوَان وقال: أين ما وَعَدْتم بهِ؟ فقالوا: وأين ما قَرَّرتَهُ على نفسِكَ على لسَانِ صَاحِبكَ، فأنْكَر أبو الهَيْجَاء ذلك، فطُلِبَ الشِّهَابُ اليَازْكُجِيّ إلى الوَزِير، وقيل لأ: أتَنْقُل عنّا ما لَم نَقُلْ؟ فقال: أنا أرَدْتُ للخَلِيفَةِ مَمْلُوكًا مثل أبي الهَيْجَاءِ السَّمِين، وأرَدْتُ لأبي الهَيْجَاءِ أُسْتَاذًا مثل الخلَيفَةِ، فإنْ كان ما أعْجَبكم ذلك فافسَخُوا البَيْعَة، وما جَرَى شيء! فأعجبَ الوَزِير ذلك منه، ودَخَلُوا فيما أرادَ.
وكان حَسَن التَّوصُّل، مَطْبُوعًا، حُلْو النّادِرَة، ونَفَقَ على المَلِك الظَّاهِر، وكان يَسْتَحليهِ، ثُمَّ سَافَرَ من حَلَب إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة، ولَم يزل بها إلى أنْ ماتَ في سَنَة سَبعْ عَشرة وستِّمائة.
(a) في الأصل: كافيًا، بإهمال ما قبل الأخير، وسقطت الكلمة من م، ولعله المثبت بالتاء، وهو الضامر الجسم: والانكفات: الانقباض وضمور الفرس. تاج العروس، مادة: كفت.