للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشْرَفُوا على الهَلكَة، فلَفَّ إبْراهيمُ رأسَهُ في عَبَاءَةٍ ونام، فقالوا له: ما تَرَى ما نحنُ فيه من الشِّدَّة؟ فقال: ليسَ ذا شِدَّة، قالوا: ما الشِّدَّةُ؟ قال: الحاجَةُ إلى النَّاسِ. ثمّ قال: اللَّهُمَّ أَرَيْتَنا قُدْرَتكَ، فأَرِنَا عَفْوَكَ، فصَار البَحْر كأنَّهُ قَدَحُ زَيْتٍ.

أحمدُ بن يُوسُفَ

رَجُلٌ كان بأنْطَاكِيَة، وحَكَى عن بعض العُبَّاد كَلَامًا تكلَّم بهِ، إنْ لم يَكُن الثَّقَفِيّ الّذي قَدَّمْنا ذِكْرَهُ فهو غيرُهُ.

وَقَعَ إليَّ مَجْمُوع بخَطِّ بعض الفُضَلاءِ يُقال لهُ أبو عليّ المُحَسِّن بن مَهْبَرُّوذ (١)، فَنَقَلْتُ منهُ: قال أحْمَدُ بن يُوسُفَ: لَقِيْتُ بعضَ العُبَّادِ بأنْطَاكِيَةَ، فسَألْتُه عن مَسَائِل، فأجَابَني، ثُمَّ قال لي: يا أحْمَد، لقد سَمِعْتُ من رِاهِب حِكْمَةً لم أسْمعَ بمثلها، قال: قُلتُ: فتخْبرني، قال: قُلْتُ له: يا رَاهِبُ، ما مَعْبُودُكَ؟ قال: الله الّذي خَلَقَني وخَلَقَكَ، قال: قُلتُ: فأين اللهُ من قُلُوب العَارِفِيْن؟ قال: قُلُوب العَارِفِيْن لا تَحُول عنِ اللهِ طَرفَة عَيْن، قال: قُلثُ: يا رَاهِبُ، ألَكُم عِيْدٌ؟ قال: نعم، قُلتُ: فأيّ يَوْم هُو؟ قال: يوْم نُصْبح ونُمسِي لا يُكْتَبُ علينا فيه خَطيئَةٌ، قال: قُلتُ: لم جَلَسْتُم في الصَّوَامع؟ قال: نفْرة الأكْيَاس من فَخّ الدُّنْيا، لأنَّ الدُّنْيا شَوْكَة أخْشَى أنْ أَطَأَ عليها فتَدْخُل في قَدَمي، قُلتُ: لَمَ لبسْتُم المُسُوْحَ والسَّوَادَ؟ قال: لأنَّ الدُّنْيا مَأتَمٌ، قال: قُلتُ: أسْتَغْفرُ الله، قال: فنَظَر إليَّ وقال: يا فَتَى، أَسْتَغْفرُ الله تَوْبَةُ الكَاذِبيْن، فكم مُسْتَغْفرٍ بلِسَانهِ مُعَادٍ لله بقَلْبهِ، يُقَادُ غَدًا إلى عَذَاب السَّعِيْر، قال قُلتُ له: يا تبي (٢) بَقِيَتْ واحدةٌ، قال: سَلْ، قال: قُلتُ: من أيْنَ المَطْعَمُ والمَشْرَبُ؟ قال: فنَظَرَ إليَّ نَظْرةً احْمَرَّت حَماليْقُ عَيْنَيهِ، ثمّ قال: وَيْحَكَ، لم تَنْتَفع بالمَوْعِظَة بَعْدُ!.


(١) يعيد ابن العديم ذكر المحسن هذا في الجزء الرابع (في ترجمة أشجع الشاعر)، وسماه هناك: المحسن بن عبد الله بن مهبروذ.
(٢) كلمة غير مقروءة، مهملة الأول، صورتها: يا تبى.

<<  <  ج: ص:  >  >>