للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ، أبو عليّ الصُّوْفيّ (١)

مَنْسُوبٌ إلى أَوَه (٢)، شَيْخٌ صَالِحٌ وَرِعٌ تَقِيٌّ، مُجْتَهدٌ في العِبَادَةِ، اجْتَمَعْتُ به في البَيْت المُقَدَّس، وشَاهَدْتُ منه وَليًّا من أوْلِيَاءِ الله تعالَى، قد أجْمعَ النَّاسُ كُلُّهُم قَاطِبَةً على خَيْره وصَلَاحهِ، صَائم النَّهَار، قائم اللَّيْل، قد أثَّرت العِبَادَةُ وقيام اللَّيْل في بَدَنهِ، نَحِيْل البَدَن، مُصْفَّر اللَّوْن، ذَابِل الشَّفَتين، مُنْقَطِع إلى اللَّه، مُسْتَغْن عن النَّاس، مُعْرِض عن الدُّنْيا وزُخْرُفها.

دَخَلَ الشّام، ومرَّ بحَلَب مُجْتازًا في طَريقِهِ إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة في سَنَة سَبْعِين وخَمْسِمائَة، في دَوْلة المَلِك الصَّالِح إسْمَاعِيْل بن مَحْمُود بن زَنْكِي.

وأقامَ بالإسْكَنْدَرِيَّةِ، وصَحِبَ بها الحافِظ أبا طَاهِر السِّلَفِيّ، وخَدَمهُ، وسَمِعَ منهُ الكثير، وسَمِعَ من غيره من شُيُوخ الإسْكَندريَّةِ مثل أبي الجُيُوش عَسَاكِر بن عليّ بن نَصْر المُقْرِئ، وأبي المَحَاسِن المُشَرَّف بن مُؤيَّد بن عليّ الهَمْدانِيّ وغيرهم، وكان سَمِعَ بمَكَّة أبا الفَضْل يُونُس بن مُحَمَّد بن بُنْدَار، ورَابَط بعد ذلك بعَكَّا مُدَّةً، ونَزل بالخَضْرَاِء وهي دُوَيْرَة بناها المَلِك النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أَيُّوب بعَسْقَلان، ووقَفَ بها الأجْزاء الّتي سَمِعَها، وأقام بها إلى أنْ خُرِّبت، فانْتَقَلَ إلى البَيْت المُقَدَّس، ولَزِمَ المَسْجِد الأقْصَى، وأقام بدُوَيْرَة الصُّوْفيَّة الّتي قِبْليّ المَسْجد إلى جانب المحرَاب، وانْقَطَعَ إلى اللّه تعالَى إلى أنْ سُلّم البَيْت المُقَدَّسِ إلى الفِرِنْج في سَنَة ستٍّ وعشرين، وانْتَقَلَ منه النَّاس، فلم يَبْرح مكانَهُ، ولَزِمَ موضِعَهُ ذلك وعبادَته إلى أنْ أدْرَكَهُ أجَلُهُ، رَحِمَهُ اللّهُ.


(١) توفي سنة ٦٣٠ هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري ٣: ٣٣٤ - ٣٣٥، العبر في خبر مَن غبر ٣: ٢٠٦، تاريخ الإسلام ١٣: ٩١٦ - ٩١٧، سير أعلام النبلاء ٢٢: ٣٤٩ - ٣٥٠، المقريزي: المقفى الكبير ٣: ٣٦٥ - ٣٦٦، النجوم الزاهرة ٦: ٢٨١ (ووقع فيه الخلط في اسْمُه وكنيته: أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد … )، شذرات الذَّهب ٧: ٢٣٨.
(٢) تقدّم التعريف بها فيما مرّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>