طَعَامًا، عَهْدُ زِبْرِج بمأ كلٍ مثْله بَعِيدٌ، فنالَ منهُ زِيَادَةً على العَادَةِ من قُوْته وما وَظَّفَهُ على نفسهِ، وجاء إلى مَنْزِله، فقام إلى وِرْده فلَم يُطِق القيام لغَلَبةِ النَّوْم عليه، فنَامَ فرأى في مَنَامهِ رَجُلًا أسْوَد قد تَنَاول عَصًا أطْول ما يَكُون يَضْرب بها زِبْرجًا ولا يقلعُ عنه، ويُكَرِّرُ عليه، قال زِبْرج: فقُلتُ لَهُ: يا هذا، كم تَضْربني ولأيّ ذَنْبٍ تَضْربني؟ قال: السَّاعَة أقُول لك! فما زالَ ينتَبهُ من مَنَامِهِ وتَغلبُه عَينه ويَعُود الأسوَد لضَرْبه، ويَسْأله زِبْرجُ عن ذَنْبهِ ليتنصَّلَ منه أو يَعْتَذر إليهِ، فلمَّا بلغَ فيه غايةَ ما يَكْره وكَدَّهُ وتَعَسَّفَهُ بالضَّرْب المُبَرّح، قال له: يا زِبْرج، أتَأكُل طَعَامَ ابن العَلَاء؟ هذا الضَّرْبُ لذلك! قال: فقُلْتُ: فإنِّي لا أعُودُ، قال: إنْ عُدْتَ عُدْنا، فأصْبَح كَئِيبًا مَهمُومًا، واجْتازَ بابن أبي العَلَاء لأنَّهُ على مَدْرَجةِ طَرِيقهِ، وقد اسْتَحكم طَمَعهُ فيه، فعَاودَهُ يسْأل أنْ يفطِر عندَهُ، فأبَى وعاوَدَهُ وسَألَهُ، ورَغَّب إليه، وقبَّل بين عَيْنَيهِ ويَدَيه ورِجْلَيهِ، فقال: يا هذا، ما يمكن بعدَها أنْ أذُوق لك طَعَامًا، فضيَّق عليه مَوضعَ الاعْتِذَار، فَحدَثَهُ بما رَأى في مَنَامهِ ففارقه ولَم يَعُدْ لمثلها.
وخَرَجَ زِبْرجُ عن طَرَسُوس، وخَوَاصُّ النَّاسِ ينظُرون إليه نَظَرَهُم إلى أبي الخير صَاحِب التِّيْنَات أو أفْضَل، لأنَّ زِبْرِجًا من القُرَّاءِ المجاهِدين، وحَصَل ببَيْتِ المقدِسِ، يُشَار إليه، وماتَ بها، رَحْمَةُ الله عليه.
قُلتُ: أَظُنُّ أنَّ زِبْرِجًا خَرَجَ من طَرَسُوس إلى بيت المقدِس لمَّا استَوْلَى نَقَفُور على طَرَسُوس في شَعْبان سَنَة أرْبعٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة، واللهُ أعلم.