ويَخْرُجُ إلى النَّفِيْر قُوَّاد الرَّجَّالَة، مَعْرُوفُونَ، مَتَى عَقَدَ السُّلْطَان لقائدٍ من الفُرْسَان، فبَعَثَهُ للقاءِ مَنْ وَرَد من ذلك الوَجْهِ، أضَافَ إليه قائدًا من قُوَّادِ الرَّجَّالَةِ، وأتبعَهُ من أجْلادِ الرَّجَّالَةِ أهْل القُوَّهَ والنَّشَاط والنِّيَّة من المُطَّوِّعَة المَسْجِدِيَّة، حتَّى إذا نَزَلُوا أوَّل مَنْزل، تَبَتَّلَ شَيخٌ، بل شُيُوخٌ من الصُّلَحاءِ، مَعْرُوفونَ بحِفْظِ مَنْ هُناك من الغِلْمَانِ المَرْمُوقينَ بالصَّبَاحَةِ والوَضَاءَةِ، فَتَنْضَافُ طبقَةُ طَبَقَةٌ إلى ذي مَعْرفتهم وثقَتهمِ، وحَصَلُوا تحت عَلَمهِ ورَايَتهِ، فلو هَمَّ أحَدُهم بالوُضُوءِ لصَلاةٍ لَمَا أفْرج عنهُ إلَّا برقِيب ثِقَة أمين شيخ مَعْرُوف، يَمْضِي معَهُ لحاجتهِ، حتَّى إذا فَرغَ منها عاد إلى جُمْلَته.
وقد رأينا في آخر أيَّام طَرَسُوس رَجُلًا يُعْرف برُؤْبَة، يجتَمع إليهِ الصِّبْيَان الّذين لم يبلغُوا الحُلُم، يَزِيد عدَدُهم على ألفِ صَبِيّ، كُلّهُم بالسِّلاح الّذي يُمكن مثلهُ حَمْل مِثْله، وبمزاودِهم وقد أعدُّوا فيها من صُنُوف أطْعمَة أمثَالِهم، يَطُوفُ جميعُهم بمِطْرَد (a) يَحملهُ رُؤْبَةُ، يَسِيْرُون بسَيْره، ويقفُون بوقُوفهِ، فلا يزال ذلك دَأبَهُم، حتَّى إذا عَادَ السُّلْطَان إلى مقرِّ دَاره، عند رُجُوْعه من نَفِيْره، دَخَلَ أولئك الصِّبْيَان أمَامَهُ على مَراتبهم، يَصُفُّهم قائدُهم الأمثَلَ فالأمثَل، رُمَاتَهُم عن قِسِيّ الرِّجْل الّتي قد عُمِلَت على مقاديرهم، ثمَّ رُمَاتَهُم عن القِسِيّ الفَارِسيَّة، وربَّما كان فيهِ من أوْلادِ اليَمَانيَّة منْ يَحْمِلُ القِسِيّ العَرَبيَّة بِنَبْلها، فَيَدْخُلُونَ فَوْجًا فَوْجًا، صَبِيَّين صَبيَّين، ثمّ مَنْ يُحْسنُ الثِّقَافَ، فيُثَاقِف قَرِينَه ومثْلَهُ وخَدِيْنَهُ وشكلَهُ، حتَّى يَدْخُل كُلّ صِنْف منهم في مَرْتبته، ثمّ يَتلُوهم رُؤْبَةُ - قائدهم - بمِطْرَدهِ وعَلامَته، حتَّى إذا خَرَجَ أحَدُ أولئك الصِّبْيَان من حَدِّ الطُّفُولَة، واشْتَدَّ عَضُدُه، وقاربَ حَدَّ البُلُوغ، أو بلَغَ، أو تَجاوز البُلُوغ قليلًا، انْضَاف إلى قَائدٍ