للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أُسامَةُ: شَاهَدْتُ منه كِتَابًا إلى وَالدِي، رَحِمَهُ اللهُ، يقُول فيه: وقد كُنْتُ بحُسْن رَأيهِ، وبدَوَام عَلائهِ، رَخيّ البَال، بَالغ الآمالِ، فحين عَلم الزَّمان ذلك من عِيْشَتي الرَّاضِيَة، رَمَاني بسِهَامٍ قَاضِيةٍ، فأعادَتِ الصَّفَاءَ رَنقًا، والعَذْب طِرْقًا: [من الطويل]

فلو كان قَلْبي كالقُلُوبِ أذَابَهُ … فِرَاقُكُمُ لكنَّهُ جَلْمَدٌ صَخْرُ

أقُولُ إذا اشْتَدَّ اشْتِيَاقي إلَيكُمُ … ودُونَ لِقائي مسْلَكٌ فَدْفَدٌ وَعْرُ

إلى اللهِ أشْكُو ما جَنَتْهُ يَدُ النَّوَى … على مُدْنَفٍ أحْشَاؤُهُ حَشْوُها جَمْرُ

خَيلَيّ ما لي واللَّيالِي كأنَّما … على الدَّهْر من تَفْريقِ إلْفَتَنا نَذْرُ

فوَا لَهَفَي حَتَّامَ ألقاهُ عَاتِبًا … ووا أَسَفَا كَمْ أرْتَجي نَفِدَ العُمْرُ

فلَو كان للأيّام عَهْدٌ عَتبتُها … ولكنَّها الأيَّامُ شِيْمَتُها الغَدْرُ

وحتَّى مَتَى أدْعُو الزَّمانَ وأينَ مَنْ … أُنادِي كأنَّ الدَّهْرَ في أُذْنِهِ وَقْرُ

فإنْ كان لي زَيْن الدَّوْلَةِ المَلْكُ حَافِظًا … عُهُودِي فما آسي على ما حَمَى الدَّهْرُ

هُمَامٌ أعَادَ الدَّهْرَ طَوْعَ إرَادتي … فليسَ لَهُ نَهْيٌ عليَّ ولا أَمْرُ

فَتَىً شَرَّفَتْهُ نَفْسُهُ وجُدُودُهُ … وبِيْضُ المَوَاضِي والمُثَقَّفَةُ السُّمْرُ

وقال أُسامَة، ونَقَلْتُه من خَطِّه في الكتاب المَذْكُور وصنَّفَ لوَالدِي كِتَابًا في النُّجُوم سمَّاهُ: المِنْهَاج، أحْسَنَ فيهِ، افْتَتَحهُ بقَصِيدَةٍ لَم أحْفَظ منها سوى هذين البيتَيْن: [من الوافر]

فَأُفِّ مِنَ الحياةِ وأُفِّ منِّي … فكم أُغْضِي على قَهْرٍ وقَسْرِ

فطَوْرًا في كَفَرْ طَابٍ وطَورًا … إلى حَرَّانَ أُنْضِيها وأَسْري

قال أُسامَةُ: وكان له أهْلٌ بحَرَّان وأهْل بشَيْزَر، فإنْ كان هذا المَذْكُور هو الّذي اشْتَمل عليه الرَّقْم ووُسِم بأبي تُرَاب الرَّبَعِيّ فذَاكَ، وإلّا فما أعْرِفُ سِوَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>