للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَرافِقها المُختَلِفة (١)، وخَصَّصَ الحافِظُ ابن عَساكِر المجَلَّدَيْن الأوَّلَيْن من كتابِه للحَدِيث عن مَدينةِ دِمَشْق وفَضائلِها ومَعالمِها، وقد أثْنَى ابنُ العَدِيْم على عَمَله، واسْتَفادَ منه، وأحَالَ على ما أوْرَده ابنُ عَساكِر في فَضَائل الشَّام، يقول (الجزء الأوَّل):

"وقد ذَكرَ الحَافِظُ أبو القَاسِم الدِّمَشْقِيّ في تاريخ دِمَشْقَ من فَضْلِه ما كَفَى، وأوْردَ في ذلك من الأحاديثِ والآثار ما أشْبَعَ القَولَ فيه وشَفَى، فإنَّه أطالَ فيما ذَكَرَهُ وأطْنَب، وأكْثَرَ النَّقْلَ فيما أوْردَهُ وأسْهَب، ومَدَّ عِنَانَ قَلمِهِ فيما سَطرَهُ وأطْلَقَهُ، وأوْسَعِ المجالَ في كُلِّ حَديثٍ أسْنَدَه وبيَّن طُرُقه، فاكْتَفَيْنا بما نقلَهُ وأوْردَهُ، واسْتَغنينا بما رواه في فَضْل الشَّام وأسْنَدَه، إلَّا إنَّا لم نَرَ إخْلاءَ كتابِنا هذا عن إيْرادِ شيءٍ من فَضْله، ولا إسْتَحْسنَّا تَركَ التَّنبيهِ على ما وَرَد فيه وفي أهْلهِ، فاقْتصَرنا من ذلك على القليل، واكْتَفَيْنا بالإشَارةِ إلى وَجْهِ الدَّليل".

وعليه فقد جَعَلَ ابنُ العَدِيْم الكتابَ الأوَّلَ من تارِيْخهِ كالمُقَدِّمةِ لعَمَله، بل إنَّهُ يُشُيرُ إليه في ثَنايا التَّراجمِ باسْم "مُقَدِّمة الكتاب"، أو "دِيْباجَته"، وعلى هذه المُقَدِّمَة مَدارُ بَقِيَّة الأجْزاء فيمَن تَرْجَم لهم، ويقُولُ روزنثال: "إنَّ ابنَ العَدِيْم يَسْتَحقُّ الذِّكْرَ لا لأَنَّ لبعضِ تَراجِمهِ خَصائِصَ تاريخيَّة، بل لأنَّ المُقَدِّمةَ التَّأريخيَّةَ لأحْسَنِ على يَده فَصْلًا ضَخْمًا عن جُغْرافيَّةِ شَمالي سُوريا، وأنَّها بُحِثَتْ تَبَعًا لأحْسَنِ المَصادِر وقُدِّمَتْ فيها مَعلُوماتٌ ثقافيَّة غَنِيَّة" (٢).

واسْتنادًا إلى مُلاحَظةِ روزنثال هذه، فقد تَمَيَّزَ ابنُ العَدِيْم في هذه المُقَدِّمةِ عن سَلَفه الخَطِيب، البَغْدادِيّ وابن عَساكِر، إذ جَمَعَ مادَّةً جُغرافيَّةً وَاسِعة وقَيِّمة عن المَنْطقةِ الَّتي شَمِلَها إقْليمُ حَلَب، وهو المُعَبَّرُ عنه قَديمًا بجُنْدِ قِنَّسْرين


(١) ينظر في ذلك الدراسة الضافية للأستاذ الدكتور بشار عواد معروف في مقدمة تحقيقه للكتاب ١: ٧٥ وما بعدها.
(٢) روزنثال: علم التأريخ ٢٣٣ - ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>