للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَمْييزُ أهْل الوَبَرَ عمَّن خَرَجَ عن البادِيَةِ فالْتَحَقَ بأهْل المَدَر، وما طَرأَ عليهم من هِجْراتٍ وارْتِحال.

وبمُناسَبةِ ذِكْر كتابِ البُلْدان لليَعْقُوبيّ، فقد وَصَلَنا عَمَلهُ البُلْدانيّ باسْتِثناءَ القسْمِ الخاصِّ بجُنْد قِنَّسْرين، الَّذي وقَعَ اسْتِلَاله من مَخْطُوطَةِ الكتاب، ولَم يَتَبقَّ منه إلّا بضْعةُ أسْطُرٍ، وهذا القِسْمُ الضَّائِع من الأهَمِّيَةِ بمكان لاخْتِصَاصِه بذِكْرِ القَبَائِل الَّتي تتَوَزَّعُ في المُدنِ والنَّواحِي، ولحُسْنِ الحَظِّ فقد نَقَلَ ابنُ العَدِيْم بَعْضًا من مادَّة اليَعْقُوبيّ هذه، فجاءَت النُّصُوصُ الَّتي حَفِظها ابنُ العَدِيْم لتُطْلِعُنا على ما كَتَبَهُ اليَعْقُوبيُّ حِيالَها، وبَقِيَتْ من كتاب اليَعْقُوبيّ بعضُ الإشارَاتِ عن مَواضعَ نَسَبَها اليَعْقُوبيّ إلى جُنْدِ حِمْص، وهي في اعْتِباراتِ ابنِ العَدِيْم من جُنْدِ قِنَّسْرين؛ مثل: مَعَرَّة النُّعْمان وفَامِيَة وكَفَرْطَاب وحَمَاة.

أمَّا فيما يتعلَّقُ بالتَّراجِم، والَّتي تَشْغَلُها بقيَّةُ أجْزاءَ الكتاب، فقد صَنَعَ ابنُ العَدِيْم تَراجِمَ مُتَميِّزةً لأعْلَامٍ من العَرَبِ والعَجَمِ على السَّواء، من أهْل العِلْم والأدَبِ والسِّيَاسَةِ وحتَّى عُقَلاءَ المجانِينِ، تَجْمعُهم حَلَبُ إمَّا بالسُّكْنَى والإيْطانِ أو بالمُرُورِ والعُبُور، وهي تَراجِم تَسْتَمدُّ قيْمَتَها ممَّا ضَمَّنَهُ المُؤلِّفُ في التَّعْريف بهم، وما سَاقَه في التَّضَاعيفِ من أشْعَارِهم ورِوَاياتِهم وأخْبَارِهم.

إنَّ تَميُّزَ ترَاجِمِ ابنِ العَدِيْم وفَرَادَتها تَكْشِفه - على سَبِيل التَّدْلِيل لا التَّخْصِيص - السِّيْرةُ الَّتي صَنَعها لأبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي، فهو وإِنْ لَم يكُن الوَحِيدَ الَّذي تَعرَّضَ بإسْهابٍ للتَّعْريف به، إلَّا أنَّه ذَكَرَ في تَرْجَمتِه بعض ما لا يُوجَدُ عندَ غيره، وانْفَرَدَ عن أقْرانِهِ بالمَعْلُوماتِ الطَّريفَةِ الَّتي أَوْرَدَها، إذْ ليس هناك من أدِيْب ولا مُؤرِّخٍ اسْتقصى - على سَبيل المثال - مكان سُكْنى المُتَنَبِّي من مَدينةِ حَلَب، بينما حدَّد ابنُ العَديم مَوْضعَه (الجزء الثَّاني):

<<  <  ج: ص:  >  >>