ومن أشْهَر مُصَنَّفاته كتابه المَوْسُوم بالتَّلْخِيْص، وهو أجْمع كتاب في فَنِّهِ للأُصُول والفُرُوع على قِلَّة عَدَد أوْرَاقه، وخفَّة مَحْمله على أصْحَابهِ، وكتابه في أُصُول الفِقْه، وهو كتابٌ مُقْنِعٌ (١).
وكان من أخْشَع النَّاسِ قلبًا إذا قَصَّ، فمن ذلك ما يُحْكى أنَّهُ كان يَقُصّ على النّاسِ بطَرَسُوس، فأدْرَكته روْعَةُ ما كان يَصِفُ من جَلَاله وعَظَمَته، ومَلَكَتْهُ خَشْيَهُ ما كان يذكر من بأْسِه وسَطْوَته، فخَرَّ مغْشِيًّا عليه، وانْقَلَبَ إلى الآخرة لاحِقًا باللَّطِيف الخَبِيْر.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، فيما أَذِنَ لنا في روَايتَه عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو المُعَمَّر المُبارَك بن عَبْد العَزِيْز الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو إسْحاق الفيْرُورآباذِيّ (a)، قال: ومنهم أبو العبَّاس بن أبي أحْمَد المَعْرُوف بابنِ القَاصِّ الطَّبَريّ، صاحب أبي العبَّاس بن سُرَيْجٍ، مات بطَرَسُوس سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، وكان من أئمَّة أصْحَابنا، صَنَّفَ المُصَنَّفات الكَثِيْرة: المِفْتاح، وأدَب القَاضِي، والمَوَاقيْت، والتَّلْخِيْص الّذي شَرَحَهُ أبو عَبْد الله خَتَنُ الإسْمَاعِيْليّ.
وقال: تَمثَّلْتُ فيه بقَوْل الشّاعر (٢): [من الكامل]
عُقِمَ النِّسَاءُ فما يَلدنَ شبيْهَهُ … إنّ النِّسَاءَ بمثْلهِ عُقم
قال: ومنهُ أخَذَ الفِقْهَ أهلُ طَبَرِسْتان.
(a) في الأصل: الفيروزباذي، بإسقاط الألف في وسطها، وهو أبو إسحاق الشيرازي والنقل عن كتابه طبقات الفقهاء ١١١.