للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخَرَجَ عن حَلَب إلى بلدهِ، وتَوَجَّه إلى بَغْدَاد، وامْتَدَح الإمَام المُسْتَنْصِر أبا جَعْفَر المَنْصُور أَمِير المُؤمِنِين رَحِمَهُ اللهُ، ثمّ عاد إلى المَوْصِل وأقام بها، وأجْرَى له أميرها بَدْر الدِّين لُؤْلُؤ جَاريًا حَسَنًا، واجْتَمَعْتُ به فيها، وأنْشَدَني مَقَاطِيع من شِعْره، وكان حينئذٍ قد غَيَّر مَلْبُوسَهُ وتَزَيَّا بزيّ الأجْنَاد، وكان اجْتِمَاعي بهِ بالمَوْصِل بمَشْهَد البَرَمَةِ يَوْم التَّاسِع من مُحَرَّم سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وستَّمائة.

أنْشَدَنا شَرَف الدِّين أبو الطَّيِّب أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي الوَفَاء المَعْرُوفُ بابنِ الحَلَاوِيّ لنَفْسِه بالمَوْصِل من لَفْظه (١):

حَكَاهُ من الغُصْن الرَّطِيْب وَرِيقُهُ … وما الخَمْرُ إلَّا وَجْنَتَاهُ ورِيْقُه

هِلَالٌ ولكن أُفْقُ قَلْبي مَحَلُّه … غزَالٌ ولكن سَفْحُ عَيْني عَقيْقُه

وأَسْمْرَ يَحْكي الأسْمَرُ اللَّدْنُ قدَّهُ … غَدَا رَاشِقًا (a) قَلْب المُحبِّ رَشِيْقُه

على خَدِّه جَمْرٌ من الحُسْن مُضْرَمٌ … يَشُبُّ ولكن في فُؤاِدِي حَرِيقُهُ

أقرَّ له من كُلّ حُسْنٍ جَلِيْلُه … ووَافقَهُ من كُلِّ مَعْنى دَقِيْقُه

بَدِيْع التَّثَنِّي رَاحَ قَلْبي أسِيْره … على أنَّ دَمْعي في الغَرَامِ طَلِيْقُه

على سَالَفيْهِ للعِذَار جديدُهُ … وفي شَفَتَيه للسُّلَاف عَتِيْقُه (b)

يُهَدِّدُ منه الطَّرْفُ من ليسَ خَصْمَهُ … ويُسْكِرُ منهُ الرِّيقُ من لا يَذُوْقُه

على مثْلِه يَسْتَحْسِنُ الصَّبُّ فَتُكَهُ (c) … وفي حُبِّهِ يَجْفُو الصَّدِيْقَ صَدِيْقُه

من التُّرْك لا يُصْبِيِهِ وَجْدٌ إلى الحَمِى … ولا ذِكْرُ باناتِ الغُوَير يَشُوْقُهُ


(a) ابن الشعار: عذار أشقا.
(b) ابن الشعار: عقيقه.
(c) ابن الشعار واليونيني والصفدي وابن دقماق وابن تغري بردي: هتكه.

<<  <  ج: ص:  >  >>