للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّد بن هِبَةِ اللّه بن أحْمَد بن أبي جَرَادَة، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه، قال: كان القَاضِي أبو الحَسَن أحْمَدُ بن يَحْيَى يقرأ الفِقْهَ بحَلَب على القَاضِي أبي جَعْفَر السِّمْنَانِيّ، وهو إذْ ذاكَ صَبيٌّ، والقَاضِي أبو جَعْفَر إذ ذاك قاضٍ بحَلَبَ، فحضَر شَاهِدَان من عُدُول حَلَبَ ليُؤدِّيا شَهَادةً عند السِّمْنَانِيّ، فاشْتَغل بتَدْرِيس أبي الحَسَن عن اسْتماعِ شَهَادتهما حتَّى فَرغ أبو الحَسَنِ من دَرْسِه، فشقّ على ذيْنك الشَّاهِدَيْن ذلك، وقالا في أنفُسِهما: يُقَدِّم هذا الصَّبِّي علينا ويُؤخِّرنا فيما حَضَرنا فيه عنده حتَّى يَفْرغ، ففَطن أبو جَعْفَر السِّمْنَاني لذلك منهما، فالْتَفَت إليهما بعد الفَرَاغِ وقال لهما: لعلَّكما شَقّ عليكُما اشْتِغَالي بهذا الصَّبي عنكما، واللّه إنْ دَامَ على ما هو عليهِ لتَشْهَدان بينَ يَدَيْهِ. فقدَّر اللّه تعالى أنَّ أبا الحَسَن تَفَقَّهَ وكَبر، وزَوَّجَه أبو جَعْفَر السّمْنَاني بابنَتِه، وتُوفِّيَ السِّمْنَانِيّ، ووَلي أبو الحَسَن أحْمَد بن أبي جَرَادَة القَضَاءَ بحَلَب، وأتَى الشَّاهِدان المُشَار إليهما وشَهِدَا بينَ يَدَيْهِ.

أنْشَدَني والدي لجدِّ أبيهِ القَاضِي أبي الفَضْل هِبَةِ اللّه بن أحْمَد بن يَحْيَى يَذْكر أباهُ ويَفْتَخر بهِ، وكَتَبَ إلينا بهذه الأبْيَات أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، عن أبي الحَسَن بن أبي جَرَادَة، قال: أنْشَدَنا القَاضِي أبو الفَضْل لنَفْسِه (١): [من مجزوء البسيط]

أنا ابنُ مُسْتَنْبِطِ القَضَايا … ومُوْضِحِ المُشْكِلَاتِ حَلَّا

وابنِ المَحَارِيْبِ لم تُعَطَّلْ … من الكتابِ العَزِيْزِ يُتْلَى

وفارِسِ المِنْبَر اسْتَكانَتْ … عِيْدَانُهُ من حِجَاهُ ثِقْلَا

قَرأتُ بخَطِّ أبي المَكَارِم مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن أحْمَد بن أبي جَرَادَة في بعض تَخَارِيْجه، وذَكَر القَاضِي أبا الحَسَن أحْمَد بن يَحْيَى، فقال: وتُوفِّيَ في أواخر سَنة اثْنَتَيْن وأرْبعين وأرْبَعِمائة (٢) بحَلَب بعد نُزُوله من القَلْعَة بها في الثَّامن من شَعْبان من هذه السَّنَة، لأنَّ مُعِزّ الدَّولَة أبا عُلْوَان ثِمَال بن صالح بن مِرْدَاس


(١) الأبيات في الوافي بالوفيات ٨: ٢٤٩.
(٢) أرخ ابن العديم وفاته في زبدة الحلب ١: ٢٢٨ في سنة ٤٤٥ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>