اللّه بن جَهضَم، قال: حدَّثنا عُبَيْد الله بن جَعْفَر السَّاجيّ، قال: حدَّثَنَا عُمَرُ بن وَاصِل، عن سهْل بن عَبْدِ اللّه، قال: مرض رَجل من أوْلِيَاءِ اللّه عزَّ وجلَّ مرضًا مُشْكِلًا، فكان النَّاس إذا رأوه قالوا بهِ حِنَّة (١) فأكثر عليه، فلمَّا عَظُم كلام مَنْ تكَّلم في أمره قالوا له: نُعالجُكَ، فقال: يا قَوْم، اعلمُوا أنَّ لي طَبِيْبًا إنْ شاءَ دَاوى كُلّ عَلِيْل على وَجه الأرْض، لكنّي لا أسْألهُ أنْ يُدَاوِيني، فقيل له: ولم ذاكَ، وأنت مُحْتاج إلى الدَّوَاء؟! فقال: أخْشَى إنْ برئتُ من هذه العِلَّة طَغَيْتُ. فقيل له: فإنَّ لنا مَحْنُونًا فاسْأَل طَبِيْبَكَ أنْ يُدَاوِيَهُ، فقال: نعم، إئتوني بهِ، فأتَوه برَجُلٍ في عُنُقه غُلّ عظيم، ويدهُ مَشْدُودَة إلى عُنُقه في قيدٍ ثَقيل قد استْمكَنت منه العِلَّةُ، فقال لهم: خَلّوني معه، فعَمد جُهَّال القَوْم إلى يَدهِ فخلُوها وأدْخلوه منه في البيتِ الّذي كان فيه، وأغْلَقُوا عليهما البابَ، وهم يَظُنُّونَ أنَّهُ سيُفْضي إليهِ بمَكْروه، فلمَّا كانت بعد ساعةٍ صاحُوا به، فأجابَهُم وخَرَجَ إليهم وكلمهُم بكلام عَاقِلٍ وهو يبكي بكاءً شَديدًا، فقالوا: خَبِّرنا بقصَّتك وما كان منك؟ فقال: دَخلتُ على هذا الرَّجُل وأنَا على ما قد علَمتُم من عِلَّتي لا أعْقِل شيئًا كما رأيتموني، فقرَّبني منه وأدْنَاني، فكُلّما قربتُ منه جَعل يَدَهُ على صَدْري، والأُخْرى على رَأسي، فحسَسْتُ بطَعْم البرءِ يَدِبُّ في جِسْمي حتَّى زالَ ما بي، فقالوا له: ادْخُل معنا إليه فاسْألهُ أنْ يدعُو لنا، فدخَل مع القَوْم إليه فلم يَجِدُوهُ في البيتِ، وسَتَرَهُ اللّهُ عزَّ وجلَّ عنهم، فمَن عَقل منهم عظُمَتْ نَدَامتُه، وكثُر أسَفُه.
قال سَهْل: وهذا رَجُلٌ من أهْلِ بيتِ الَمقدِسِ يُقالُ له إِدْرِيس بن أبي خَوْلَة الأنْطَاكيّ من أفَاضِل القَوْم.
(١) بالمهملة، ومثله في المحنون، مما يليه. وحِنَّة: أي جِنَّة، والمحنون: الذي أصابه الصرع. لسان العرب، مادة: حنن.