للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأَرُسْطُوطَالِيْس، إليه، رَسَائِل كَثِيْرة جَلِيْلَة، منها رسالةٌ يحُضُّهُ فيها على المَسِير لحَرْب دَارَا بن دَارَا مَلِك الفُرْس، ومنها رسالةٌ جَاوَبَهُ عن كتابهِ إليهِ من أرْض الهِنْد يَصِفُ ما رآهُ في بَيْت الذَّهَب بأعَالي أرْض الهِنْد، وهو البَيْتُ الّذي كان فيه البِدَدَةُ (a)؛ وهي الأصْنَام (b) المُمَثَّلَة بالجَوَاهِر العُلْويَّة، فجاوَبَهُ أَرُسْطُوطَالِيْس بهذه الرِّسَالَة يَعِظُهُ فيها، ويُزَهِّدُهُ في الدُّنْيا، ويُرَغِّبُهُ في النَّعِيم الدَّائِم.

قال صَاعِد (١): وكان أبو بَكْر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الرَّازِيّ شَدِيد الانْحِرَاف عن أَرُسْطُوطَالِيْس، وعَائِبًا له في مُفَارَقَتِه مُعَلِّمه أَفْلَاطُوْن وغيره من مُتَقَدِّمي الفَلَاسِفَة في كَثِيْر من آرائهم، وكان يَزْعُمُ أنَّهُ أفْسَد الفَلْسَفَة وغَيَّر كَثِيْرًا من أُصُولِهم. وما أظُنُّ الرَّازِيَّ أحْنَقَهُ على أَرُسْطُوطَالِيْس، وَحَدَاهُ إلى تَنَقُصّه، إلَّا ما أبَاهُ (c) أَرُسْطُوطَالِيْس ودَانَ (d) بهِ الرَّازِيّ ممَّا ضَمَّنَهُ كتابَهُ في العِلْم الإلهِيّ، وكتابَهُ في الطِّبِّ الرُّوْحانِيّ وغير ذلك من كُتُبهِ الدَّالَّةِ على اسْتِحْسَانهِ المَذَاهِب الثَّنَوِيَّةِ في الإشْرَاكِ، ولآرَاءِ البَرَاهِمَة في إبْطَالِ النُّبُوَّةِ ولاعْتِقَادِ عَوَامِّ الصَّابِئَة في التَّنَاسُخِ.

ولو أنَّ الرَّازِيّ وَفَّقَهُ الله للرّشْد، وحَبَّبَ إليه نَصْر الحَقّ، لوَصَف أَرُسْطُوطَالِيْس أنَّهُ مَخَضَ (e) آراءَ الفَلَاسِفَة، ونَخَل (f) مَذَاهِبَ الحُكَمَاء، فنَفَّى خَبَثَها، وأسْقَط غَثَّها (g)، وانْتَقى لُبَّهَا، واصْطَفَى خِيَارَهَا، فاعْتَقَد منها ما تُوْجُبه العُقُولُ


(a) تحرفت في نشرة كتاب طبقات الأمم: البدرة.
(b) طبقات الأمم: أحد الأصنام.
(c) طبقات الأمم: أتاه.
(d) طبقات الأمم: وأراد.
(e) طبقات الأمم: بأنه تَحَصَّى.
(f) طبقات الأمم: نحل.
(g) طبقات الأمم: وأسقطه عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>