للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنِعْمَته على طاعَتهِ، ولم يَسْتَعن بنِعْمَتِه على مَعْصِيَته، فإنَّهُ لا يأتي على صَاحِب الجَنَّة سَاعةٌ إلَّا وهو يَزْدَادُ صنْفًا من النَّعيم لم يكُن يَعْرفهُ، ولا يأتي على صَاحِب النَّار سَاعَةٌ إلَّا وهو مُسْتَنكِرٌ لشيءٍ من العَذَاب لم يكُن يَعْرفُه.

أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم (١)، قال: إسْحاقُ بن إبْراهيمِ بن صالِحِ بن عليّ بن عَبْدِ الله بن عبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ الصَّالِحِيّ، وَلِيَ دِمشْق نيَابَةً عن أَبِيهِ إبْراهيم في خِلَافَة الرَّشِيْدِ، وفي ولايِتَه وَقَعَتْ عَصَبِيَّةُ أبي الهَيْذَام حتَّى تَفَانَى فيها جَمَاعَةٌ من النَّاس وتَفاقَم أمْرُها. حَكَى عنهُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ.

قال الحافِظُ أبو القَاسِم (٢): قَرأتُ بخَطِّ أبي الحُسَين الرَّازِيّ: أخْبَرَني مَحْمُود بن مُحَمَّد بن الفَضْل الرَّافِقِيّ، قال: حَدَّثَنَا حَبَشُ بن مُوسَى الضَّبِّيُّ، قال: حَدَّثَنَا عليِّ بن أحْمَد المَدَائِنِيّ، قال: ولمَّا خَرَجَ إبْراهيمُ بن صالح من دِمَشْقَ مِع الوَفْد الّذين قَدِمِ بهم على أَمِير المُؤمِنِين الرَّشِيْد، اسْتَخلَفَ ابنَهُ إسْحاق علىِ دِمَشْقَ، وضَمَّ إليه رَجُلًا من كِنْدَةَ يُقال له الهَيْثَم بن عَوْف، فغَضِبَ النَّاسُ، وحَبَسَ رُؤَساءَ منِ قَيْسٍ، وِأخَذَ أرْبَعيْن رَجُلًا من مُحارِبَ فضَرَبَهُم وحَلَقَ رُؤُوسَهُم ولِحَاهُم؛ ضَربَ كُلّ رَجُلٍ ثلاثمائة، فنَفَرَ النَّاس بدِمَشْق وتَدَاعَوا إلى العَصَبِيَّة، ونَشَبَتْ الحَرْبُ، ورجَعُوا إلى ما كانوا عليه من القَتْل والنَّهْب، فلم يَزَالُوا على ذلك أشْهُرًا، ثمّ خرَج إلى حِمْص (٣).

قُلتُ: وكانت العَصَبِيَّة بالشَّامِ بين النِّزَارِيَّة واليَمَانِيَّة. ورأسُ النِّزَارِيَّة في ذلك الوَقْت أبو الهَيْذَام سَنَة ستٍّ وسَبْعِين ومائة، فأقَاموا على ذلك مُدَّة طَوِيلَة، ثمّ ضَعُفَ أمر أبي الهَيْذَام، وتَوَارَى في مَنْزِله.


(١) تاريخ ابن عساكر ٨: ١٠٦.
(٢) المصدر نفسه ٨: ١٠٦ - ١٠٧.
(٣) انظر عن ثورة أبي الهيذام: تاريخ الطبري ٨: ٢٥١ - ٢٥٢، ٢٦٢ - ٢٦٥، ابن الجوزي: المنتظم ٩: ١٨، الكامل ٦: ١٢٧ - ١٣٣، ابن كثير: البداية والنهاية ١٠: ١٦٨ - ١٦٩، ابن خلدون: العبر ٥: ٥٤٠ - ٥٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>