للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَمِير المُؤمِنِين، الإيْنَاسُ قَبْلَ الإبْسَاسِ (a)، فاشْتَبَهَ على المَأْمُون قَوْلُه، فنَظَرَ إلى إسْحَاق مُسْتَفْهِمًا، فأوْمَأ إليهِ بعَيْنه وغَمَزَهُ على معناهُ حتَّى فَهِمَهُ، ثمّ قال: نَعَم، يا غُلَام ألف دِيْنارٍ، فأُتِيَ بذلك فوَضَعَهُ (b) بين يَدَي العَتَّابِيّ، وأخَذُوا في الحَدِيْث.

ثُمَّ غَمَزَ المَأْمُونُ إسْحاقَ بن إبْراهيم عليه، فجعَلَ العَتَّابِيُّ لا يأخُذُ في شيءٍ إلَّا عَارَضَهُ فيه إسْحاق، فبَقِيَ العَتَّابِيّ مُتَعجِّبًا. ثمّ قال: يا أَمِيرَ المُؤمِنِين، أتأْذَنُ لي في مَسْألَةِ هذا الشَّيْخ عن اسْمه؟ قال: نعم سَلْهُ، فقال لإسْحاق: يا شَيْخُ، مَنْ أنْتَ، وما اسْمُكَ؟ قال: أنا من النَّاسِ، واسْمي كُلْ بَصَلْ. فتَبَسَّم العَتَّابِيّ ثمّ قال: أمَّا النَّسَبُ فمَعْرُوفٌ (c)، وأمَّا الاسْم فمُنْكَرٌ، فقال له إسْحاق: ما أقَلّ إنْصَافُكَ، أتُنْكر أنْ يكون اسْمي كُلْ بَصَل واسْمك كُلْثُوم (d)، وما كُلْثُوم من الأسْماءِ؟ أوَلَيسَ البَصَلُ أطْيَبُ من الثُّوم؟! فقال له العَتَّابِيُّ: لله درُّك ما أحَجَّكَ! أتأذَنُ لي يا أَمِير المُؤمِنِين أنْ أصِلَهُ بما وَصَلْتَني به؟ فقال له المَأْمُون: بل ذلك مُوَفَّرٌ (e) عليك، ونأمُرُ له بمثْلِهِ. فقال له إسْحاقُ: أمّا إذْ أَقْررتَ بهذه فتَوَهَّمْني تَجِدْني. فقال له: ما أظُنُّكَ إلَّا إسْحَاق المَوْصِلِيّ الّذي يَتَناهَى إلينا (f) خَبَرُه، قال: أنا حَيْثُ ظَنَنْتَ، فأقْبَل عليه بالتَّحيَّةِ والسَّلَام. فقال المَأْمُون، وقد طالَ الحَدِيْثُ بينهما: أمَّا إذا اتَّفقْتُما على المَوَدَّة فانْصَرِفا (g)، فانْصَرَفَ العَتَّابِيّ إلى مَنْزِل إسْحَاق، فأقامَ عندَهُ.

أنْبَأنَا أبو رَوْح عَبد المُعِزّ بن مُحَمَّد في كتابهِ، عن أبي القَاسمِ الشَّحَّامِيِّ، عن أبي القَاسِم البُنْدَار، قال: أنْبَأنَا أبو أحْمَد الفَرَضِيُّ، فال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: حَدَّثَني الحُسَينِ بن يَحْيَى، قال: سَمِعْتُ جَعْفَر بن عليّ بن الرَّشِيْدِ يقول: لمَّا وَلي المتُوَكِّلُ الخِلَافَة، خرَجَ إليهِ إسْحاقُ بن إبْراهيم المَوْصِلِيّ من بَغْدَاد مُهَنِّئًا،


(a) ابن طيفور والطبري: الإبساس قبل الإيناس. وما ها هنا هو الصواب إلا أن يكون أراد التساؤل استهجانًا لتصرُّفه، والمثل معروف، الإبساس: مداراة الناقة والتطلف معها والرفق بها بقول: بس بس؛ لتدر عند الحلب. تاج العروس، مادة: بسس.
(b) ابن طيفور: فأتي بها فوضعت.
(c) ابن طيفور: أما النسبة فمعروفة.
(d) في كتاب بغداد وتاريخ الطبري والأغاني وتاريخ بغداد: كل ثوم، وعند ابن العديم موصولة.
(e) ابن طيفور: موفَّر.
(f) في الأصل: إليه، والمثبت باتفاق جميع المصادر التي أوردت الحكاية.
(g) كتاب بغداد وتاريخ الطبري والأغاني: فانصرفا متنادمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>