في مَوْضِعها لما كان بها من الرُّخْصِ والسَّعَةِ في الأسْعَار والخَيْرات (a) والمياه، اكْتَسحَها الرُّوم، فكأنَّها لم تكن إلَّا بقايا دِمَن، وجميع جُنْد قِنَّسْرِيْن أعْذَاءٌ، وشُرْبُهم من السَّماءِ، وهي مَدِينَة كَثِيْرة الخَيْر والسَّعَة، وبها الفُسْتُق والتِّيْن وما شاكلَ ذلك.
قَوْله: وشُرْبُهم من السَّماءِ، يعني: ضَواحي قِنَّسْرِيْن وقُراها، أما المَدِينَة نَفْسُها فقُوَيْقٌ يَمرُّ بجانبها، وكانت القَناة من بِرْكَةِ عين المُبارَكة بقُربِ حَلَب، يأتي ماؤُها إلى مَدِينَة قِنَّسْرِيْن، وكانت القَناة قد سِيقَت في لِحْف الجَبَل عند الوُضَيْحيّ (١) إلى صِلْدِي (٢)، ثمّ سِيْقَت تحت الأرْض إلى أن انْتَهت إلى القَناطر، وهي قَريةٌ من عَمَلها، فعُقِدَتْ لها قَناطِر رَفِيْعة، ورُفع ماء القناة فَوْقها إلى أنْ انْتَهى إلى مكان مُرتفع، فَسِيقَت تحت الأرْض إلى مَدِينَة قِنَّسْرِيْن، فكان شُرْب أهل قِنَّسْرِيْن منها، وأدْرَكْتُ أنا مُعْظم أسْوارها، وبعض أسْوار قَلْعتها، وأبواب مَدِينتها قائمة.
وكان سُلَيمان بن قُطَلْمِشِ بعد قَتْلِه مُسْلِم بن قُرَيْشٍ، قد اسْتولَى على قِنَّسْرِيْن، وعَمَّرَ قَلْعتها، وتحصَّنَ فيها، وحَصَر حَلَب، فاتّفق على ما اتَّفق من قَتْله على ما نَذْكرهُ
(a) كتب فوقها حرف ح وقيد بموازاته في الهامش: والحيوان نسخة! ولعله ينبه إلى أن هذا جاء في إحدى نسخ ابن حوقل، والذي في نشرة ابن حوقل سقطت منه كلمة: الأسعار.