للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسْتَولَى نُوَّابُ الدِّيْوَانِ المُسْتَنْصِرىِّ على إرْبِل، فكتَبَ الإمام المُسْتَنْصِر باللهِ بإحْضَاره إلى بَغْدَاد فَحَضَر وأنْعَم عليه، وأجْرَى له مَعلوم، وقُلِّد أعْمَالًا بنَوَاحِي بَغْدَاد.

وحَضَرتُ دارَ الوَزِير أبي طَالِب ابن العَلْقَمِيّ في سَنة خَمْسِينَ وسِّتمائة، وكُنْتُ قد توجَّهتُ رسُولًا عن الَمِلكِ النَّاصِرِ صَلاحِ الدِّين يُوسُف بن مُحَمَّد، في أيَّام المُسْتَعْصِم بالله، إلى دار الخِلَافَة، فسَمِعْتُه يُنْشدُ بين يَدَي الوَزِير قَصِيدَةً فىِ مَدْح المُسْتَعْصِم في الحادي عَشر من ذِي الحِجَّة، أوَّلها: [من البسيط]

هل عندَ عطْفكَ عطْفٌ مُمْسكٌ رَمَقي … أم هلِ تَرِقُّ لِمَا ألْقَاهُ من أرقى

كأنَّ حُسْنَكَ دُنيانا فنَحْنُ بِهِ … ما بين وصْل سَعيدٍ أو صُدُودِ شَقِي

وعندَ شَعْرِكَ تُتْلَى آيةُ الغسَق … ومن مُحَيَّاكَ تَبْدُو سُوْرةُ الفَلَقِ

كأنَّ أرْوَاحَ أهْل العِشْق سَائرةَ … إلى جَمَالكَ بالتَّقْريبِ والعَنَقِ

تَؤُمُّ كَعْبَةَ حُسْنٍ خالُها حجَرٌ … في الخَدِّ أسْوَدُهُ في أَبَيْضٍ يَقَقِ

نادَتْ مُكَبِّرةً لمَّا جُليْتَ لها: … سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الإنْسان مِن عَلَقِ

أرائدٌ أنْت يا طرْفي لتُخْبِرَني … أيُّ الطَّريقِ إليهِ أسْهَلُ الطرُق

وأنْتِ يا أضْلُعِى شُبِّي الضّرامَ لكي … يُهْدَى في بنارِكِ (a) ضَيْفُ الطَّيفِ في الغَسَقِ

فما سَرقتُ بنومي قَطّ طَيْفَهُمُ … إلَّا غَدَا النَّوْم مَقْطُوعًا على السّرَقِ

ويا دُمُوعي اسْكُنِي لا تَسْكُبي حَذَرًا … عليهِ إنْ زَارَني من مَوْجِكِ الغَرقِ

يا سَاحرًا فيهِ جفْني سَاهِرٌ قلقٌ … وبالفِرَاق فِرَاقُ النَّفْس من فَرَقِ

أخَذْتَ قَلْبي بظُلمِ الصَّدّ فاهْدِ لَهُ … ظُلْمًا عسى الظُّلْمُ من ظُلم الصُّدُودِ يَقِي

وانْهَضْ إلى رَوْضَةٍ أبْدَتْ أزَاهرَهَا … مثْل المجَرَّة من زَاهٍ ومتَّسِق

أُرَيْضُهُ كَحُلَا الطَاوُوس باكَرَها … مَرُّ النَّسِيم رَوَى عن نَشْرها العَبِقِ

تَخالُ في كُلِّ قُطرٍ من جَوَانِبها … وَجْهًا يُريكَ صِفَاتِ الشَّادِنِ اللَّبِقِ


(a) ساقطة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>