للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْمل عَمَلًا، وسَمَت به (a) هِمَّتُه إلى جَانِب المَشْرِق (b)، وطَمعَ في الظَّفَر بمَمْلَكَةِ (c) الفُرْس، فلمَّا (d) قَرُب منها اتَّفَق له قتْل مَلِكها بوثُوب بعض حُمَاةِ ظَهْره عليه، فاسْتَولَى على مَمْلَكَة الفُرْس (e)، ثمّ تَجَرَّأ منها على قَصْدِ ما وراءها من أرْض الهِنْد، وأقاصِي المَشْرِق، فظَفر بالمواضع الّتي صَار إِليها، ثمّ رَجَعَ منها عائدًا إلى مَدِينَة بَابِل (f) العَتِيقة على (g) أنْ يُعيدها إلى العِمَارَة بعدما خرَّبها، وكانت في زَمان عمرانها (h) مَنْزِل مُلُوك الكَلْدَانيِّيْن، فلمَّا قَرُب منها ماتَ بسمّ سقَوْهُ إيَّاهُ وله اثْنَتان وثلاثُونَ سنةً فحَسْب، وقد كان في حياته تقدَّم إلى أهْل زمانهِ أنْ يُؤرِّخُوا بسني مُلْكه ويجعَلُوا ابتداءَهَا من أوَّل سَنَة سَبِع وعشرين من سِنيّ عُمره، ومنه كانوا يُؤرِّخُونَ كُتُبَهم، ثمّ أرَّخُوها بعد وفاته بسَنة ستٍّ من سِنيّ الإسْكَنْدَر وذلك من ابتْداءِ حرَكَته.

وقَرَأتُ في جمُوع عَتِيق بخَطِّ بعضِ الأُدَبَاءِ خَبَرَ وَفَاةِ الإسْكَنْدَر مُخْتصَرًا، قال فيهِ: لمَّا اعْتَلَّ العِلَّة الّتي أَيِسَ فيها من نَفْسِه كتبَ إلى وَالدتهِ: اصْنعَي صَنِيْعًا وادْعِي إليه مَنْ لم تُصِبْهُ مُصِيْبَةٌ، فلمَّا وصَل الكتابُ بذلك إليها قالت: لقد عزَّاني الإسْكَنْدَرُ عن نَفْسهِ.

ولمَّا مَضَى لسَبيله رثَاهُ النَّاسُ؛ فممَّا قالت الفَلَاسِفَةُ: قال أحَدُهُم: حرَّكَنا الإسْكَنْدَرُ بسُكُونه.

وقال أَرُسْطُوطَالِيْس: صدرَ عنَّا الإسْكَنْدَرُ نَاطِقًا، وقَدِمَ علينا صَامتًا.

وقال آخرُ: خَرَجنا إلى الدُّنْيا جَاهِلين، وأقمنا فيها غَافِلين، ونخرُج منها كارهيْنَ.


(a) ساقطة من ب وكتاب الأصبهاني.
(b) ب، الشرق.
(c) الأصبهاني: وطمع بالظفر بملك.
(d) في الأصل: فكما.
(e) من قوله: فلما قرب … إلى هنا ساقط من ب.
(f) ساقطة من كتاب الأصبهاني.
(g) الأصبهاني: إلى.
(h) ب: عمارتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>