للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْ يكون له سَبَبٌ إلى المُلُوك يتعيَّش به، فأشَار عليه الهَيْثَمُ بنُ عَدِيّ أنْ يُشَبِبَ بالخَيْزُرَان، فَجَبُن عن ذلك، فأغْرهُ بعُتْبَة جَارِيَة رَيْطَة بنت أبي العبَّاسِ، فلبس مِدْرَعَة صُوْف، وطَلَبَ عُتْبَة، وسَألَ عنها فدُلَّ عليها وتُسَائِلُ بعضَ عجَائز القَصْر أرَقَّ مَسْألَةٍ، فتعرَّضَ لها أبو العَتَاهِيَة فقال (١): [من الطويل]

فَدَيتُكِ تَجْمِيْشِ العَجُوزِ بليَّةٌ … ولا سِيَّمِا من بَرَّةٍ مُتَبَتِّلَهْ

فأمَرَتْ فوُجِئَ (٢) في عُنُقه، ورَأتْهُ في زيّ مَجْنُونٍ فخَلَّتْ سَبِيلَهُ، فرَجَعَ إلى الهَيْثَمِ بن عَدِيّ فشَكَا إليه، فقال: إنَّما أشَرْتُ عليك أنْ تُشَبِبَ بها وتَدَّعِي عِشْقَها، لم أُشِرْ عليكْ أنْ تأمرَها بالمَعْرُوفِ وتَنْهاها عن المُنْكَر، وقد وقعَ الجنُونُ بحيثُ أردْت، فالْزَم هذا فعَسى أنْ تَنال خَيْرًا، ففَعَلَ، فكان يتْبَعُ عُتْبةَ في الطُّرُقاتِ ويُنْشِدُها أشْعَارَهُ، وإذا دَخَلَتْ إلى بَيْتِها جلسَ لها حتَّى تخرجُ، فاسْتَطرفِ (a) النَّاسُ ذلك منه، وكَنَوْهُ بأبي العَتَاهِيَة، وضُرِبَ وحُبِسَ فلم يزدهُ ذلك إلَّا بصِيْرةً في أَمْره، وكان ذلك سَبَبًا له إلى بُلُوغ ما أَمَّلَ.

أخْبَرَنا عَبْدُ الصَّمَد بن الحَرَسْتَانِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أحْمَد الغَسَّانِيّ، قال: أخْبرنا أحمدُ بنُ عليّ البَغْدَاديّ (٣)، قال: أخبَرَني عليُّ بن أيُّوبَ القُمِّيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ عِمْران المَرْزُبانيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن موسى البَرْبَرِيّ، قال: أخْبرَني أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن عليّ الهاشِميُّ، عن أبي شُعَيْب أحْمَد بن يَزِيد صاحب ابن أبي دُؤَاد (b)، قال: قلتُ لأبي العَتَاهِيَة: يا أبا إسْحاق، حَدِّثني بقِصَّتكَ مع عُتْبَةَ؟ فقال لي: أُحَدِّثُكَ، قَدِمْنَا من الكُوفَة ثلاثةُ فتْيان شَبَابًا (ح) أُدَبَاء، وليسَ لنا ببَغْدَاد مَنْ نَقْصِدُه، فنزلنا غُرْفَةً بالقُرْبِ من


(a) ب: فاستظرف.
(b) ب: ابن أبي داوود.
(c) ب: شبانًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>