للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهِ، ما رأيتُ للرُّومِ مَدِينَةً مثل مَدِينَةٍ يُقالُ لها أَنْطاكِيَةَ، وما رَأيتُ أكثرَ مَطَرًا منها، فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم: نعم؛ وذلك أنَّ فيها التَّوْراة، وعصَا مُوسَى، ورَضْرَاض الألْوَاح، ومَائِدَةُ سُلَيمان بن دَاوُد في غار من غِيْرَانها، ما من سَحابةٍ تُشْرفُ عليها من وَجْهٍ من الوُجُوهِ إلَّا أفرَغَتْ ما فيها من البَرَكَة في ذلكَ الوَادِي، ولا تَذْهبُ الأيَّام واللَّيالِي حتَّى يَسْكُنَهَا رجُلٌ من عِتْرَتِي، اسمُهُ اسمي، واسْمُ أبيهِ اسْمُ أبي، يُشْبهُ خَلْقُه خَلْقِي وخُلْقُهُ، يملأُ الدُّنْيا قِسْطًا وعَدْلًا كما مُلِئَتْ ظُلْمًا وجَوْرًا.

وقد رُويَ هذا الحَدِيْث عن عَطَاء، عن ابن عبَّاس، عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم. وفيه زِيَادةٌ على ما رَوَاهُ الشَّعْبِيّ عن تَمِيْم الدَّارِيّ، نَقَلْتُهُ من خَطِّ القَاضِي أبي عَمْرو عُثْمان بن عَبْد اللهِ بن إبْرَاهِيْم الطَّرَسُوسِيّ، قاضِي مَعَرَّة النُّعْمَان، وكان فَاضِلًا مُسْنِدًا، قال: حَدَّثَنَا أبو عُمَيْر عَدِيُّ بنُ أحْمد بن عَبْد البَاقِي، قال: حَدَّثَنَا يوسُفُ بن سَعيد بن مُسْلم، قال: حَدَّثَنَا الحَّجاجُ، عن ابن جُرَيْج، عن عَطَاءٍ، عن ابن عبَّاس، قال: كنتُ جالِسًا عندَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم إذْ أتاهُ تَمِيْم الدَّارِيُّ، فقال لهُ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم: من أينَ قَدِمْتَ؟ قال: من الشَّامِ، فقال تَمِيم: يا رسُول اللهِ؛ لم أرَ بالشَّام مَدِينَةً أحْسنَ من أَنْطاكِيَة ولا أطْيَبَ، إلَّا أنَّها كَثْيِرة الأمْطَار، فقال رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: أتَدْرونَ ما السَّببُ في ذلك؟ قالوا: اللهُ ورسُولهُ أعْلَم! قال: فيها جَبَلٌ، وفي ذلك الجبَلَ غَار، وفي ذلك الغَار عصَاة (a) مُوسَى صلَّى اللهُ عليهِ، وشيءٌ من ألْواحهِ، ومائِدةُ سُلَيمانُ، ومَحْبُرَةُ (b) إِدْرِيسَ، ومِنْطَقَهُ شُعَيْب، وبُرْدَا نُوح، ولا تطلعُ سَحابةٌ شَرْقَيَّةٌ ولا غَربيَّةٌ، ولا قِبليَّة ولا جَرْبيَّة (c)، إلَّا حُطَّ من


(a) كتب ابن العديم فوقها: "صـ".
(b) كذا ضبطها بضم الباء، وهو لغة فيها، والأكثر على الفتح.
(c) في الأصل: حربية، وأكدها بحاء مهملة أسفلها، وفي ك: بحرية، والصواب بالمعجمة كالمثبت، والجربي: الشمال. انظر: البلدان اليعقوبي ٣٢٠، مروج الذهب للمسعودي ٢: ٣٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>