للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى بلدَةٍ بالمَغْرب تُسَمَّى بادِيْس، شَابٌّ فَاضِلٌ كاتبٌ، لهُ مَعْرفَةٌ حَسَنةٌ بعِلْم الكَلَام والأدَب، وله شِعْرٌ جَيِّدٌ، قَدِمَ بَغْدَادَ، وأقامَ بها، وتَكلَّم مع جَمَاعَةٍ من أهْلها في عِلْم الكَلَام، وجَالَسَ العُلَمَاءَ، وناظَرَ، وانْحَدَر منها إلى وَاسِط، ولَقِيتُه بها، وسَمِعْتُ منه قَصَائِدَ من شِعْره وأنَاشِيْد لغَيْره، وصار منها إلى البَصْرَة، وتُسْتَر، وعاد إلى بَغْدَاد ثمّ تَوَجَّه إلى بلَدِه فأدْركَهُ أجَلُهُ قبل وُصُولهِ إليه، ويُقالُ: قُتِلَ في طَريقِه، واللَّهُ أعْلَمُ.

كذا قال ابنُ الدُّبَيْثِيّ: مَنْسُوبٌ إلى بَلْدَة بالمَغْرب تُسَمَّى بَادِيسْ! وهو وَهْمٌ فَاحِشٌ، وبَادِيسْ اسْم رَجُل يَنْتسب إليه جَمَاعَةٌ من المُلَثَّمة، وفيهم مُلُوكٌ منهم: تميْم بن بَادِيسْ، وهذا سَبْتِيٌّ وبَادِيسْ الّتي هي المَدِينَة ليس هذا منها، واللَّهُ أعْلَمُ.

قال لي الخَطِيبُ أبو عبد الرَّحْمن بن هاشِم: سار أبو العَرَب بن مَعِيْشَة إلى بَلَد الرُّوم، ثمّ عاد منه، وصَعدَ إلى مِصْرَ في سَنَة خَمْسٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة، فوجَد فيها الحَكِيمَ أبا مُوسَى اليَهُودِيّ، وكان قد أهْدِر دَمُهُ في بلادِ المَغْرب لفسَادٍ ظَهَرَ منه، فاصْطَنَعهُ أبو العَرَب وهَرَّبَهُ منها، فنَمى خَبَرُه إلى مَلِك المَغْرب، فطَلَبَ أبا العَرَب، فهَرَبَ وحصَل في نَفْس أبي مُوسَى منه شيء، فرَشَى إنْسَانًا بمالٍ جَزِيْل، فترك أبا العَرَب على شَاطِئ النِّيْل وأتَاهُ من خَلْفه فضَرَبَهُ بخَشَبَةٍ عَظِيمَة، فسَقَطَ في النِّيْل فمات.

قال لي (b): وقيل: إنَّما فَعَل به أبو مُوسَى اليَهُودِيّ هذا لأنَّ أبا العَرَب كان عرفَ من حَالِه أنَّهُ أسْلَم في بلادِ الغَرْب، وحَفِظ القُرْآنَ، فشَهد عليه بذلك، وأرادَ إقامَةَ البَيِّنَةِ (c) عليه، ففَعَل به ذلك.


(a) الأصل وب: مفروج، وتقدم التعليق عليه في طالع الترجمة.
(b) قوله: "قال لي" ساقط من ب.
(c) ب: وأقام البينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>