للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالكٍ أكْتب عنه، فسُئِلَ عن فَرِيْضَةٍ فيها اخْتِلَاف بين (a) أصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، فأجابَ فيها بجَوَابِ زَيْد بن ثَابِت، فقُلتُ: فما قال فيها عليُّ بن أبي طَالِب، وعَبد اللَّه بن مَسْعُود؟ فأوْمَأ إلى الحَجَبَةِ، فلمَّا هَمُّوا بي حاصَرْتُهُم وحَاصَرُوني (b) فأعْجَزتُهم، وبقيَتْ مَحْبرتي وكُتُبي بين يَدَيْ مالك، فلمَّا أراد أنْ يَنْصرف، قال له الحَجَبَةُ: ما نَعْملُ بكُتُب الرَّجُل ومَحْبرته؟ قال: اطلبوه ولا تَهِيْجُوه بسُوءٍ حتَّى تُأْتُوني به، فجاءُوا إليَّ ورفَقُوا بي حتَّى جئتُ معهم، فقال لي: من أين أنْتَ؟ فقلتُ: من أهْل الكُوفَة، فقال لي: إنَّ أهل الكُوفة قَوْمٌ معهم مَعْرفَة بأقْدَار العُلَمَاءِ، فأين خلَّفْتَ الأدَب؟ قال: قُلتُ: إنَّما ذَاكرتُكَ لأسْتَفِيْدَ، فقال: إنَّ عليًّا وعبد اللَّهِ لا يُنْكَرُ فَضْلُهُما، وأهْلُ بلدِنا على قَوْل زَيْدٍ، وإذا كُنْتَ بين ظَهرانَيْ قَوْمٍ فلا تَبْدؤْهُم بما لا يَعْرفون فيَبْدَأَك منهم ما تَكْره.

قال: ثمّ حَجَجْتُ في سَنَتي، وقَدِمْتُ الشَّام، فدَخَلْتُ دِمَشْقَ، فجلَسْتُ في حَلْقَة الوَلِيد بن مُسْلِم، فلم أَصْبِر أنْ سَألتُه عن مَسْألَةٍ، فأصَاب، فقُلْتُ له: أخْطَأتَ يا أبي (c) العبَّاس! فقال: تُخَطِّئُني في الصَّوَاب وتَلْحنُ في الإعْرَاب؟! فقُلتُ لَهُ: خَفَضْتُكَ كما خَفَضَك ربُّكَ، وداخَلْتُه بالاحْتجَاج (d) فمال النَّاسُ إليَّ وتَرَكُوه، وقالوا: أهْلُ الكُوفَة أهْلُ الفِقْه والعِلْم، فخفْتُ أنْ يَنْدأني منه ما نَدَأني (e) من مَالِك بن أنَسٍ، فاذا رَجُلٌ له حلْمٌ ودِيْنٌ، وَزَعَةٌ عن الإقْدَام.

أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقيِّر، قال: أنْبَأنَا أبو الفَضْل مُحَمَّدُ بن ناصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ


(a) الجريري: عن.
(b) الأصل، ب: حاضرتهم وحاضروني، والمثبت من كتاب الجريري.
(c) الأصل، ب: أبا، وهو صحيح، غير أن مدار الحكاية الخطأ في الإعراب، وهو المثبت في كتاب الجريري.
(d) الجريري: الاحتحاج.
(c) الأصل، ب: يبدأني ما بدأني، والمثبت من كتاب الجليس الصالح وتاريخ ابن عساكر ٧١: ٣١٨. وفي لسان العرب، مادة: ندا: ندَأتُه أندَؤهُ نَدْءًا: إذا ذعرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>