للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: وجِسْر مَنْبِج الآن تحت قَلْعَة نَجْم، وهي قَلْعَة صَغِيرَة على الفُرَات، والجِسْر في ذَيْلها، وهي قَلْعَة حسنَةُ المَنْظر، مَحْمُودة المَخْبَر، كان لها رَبَضٌ صَغير، ومَسْجِدٌ لطيفٌ، فأقْطعَها المِلِكُ الظَّاهِر بَدْر الدِّين أَيْدَمُر عَتِيقَهُ عند مَوْته، وأخذَ ولاية قَلْعة حَلَب منه، فَعَمَرها، وبَنى في الرَّبَض مَسْجِدًا جامعًا، وجَعَل فيهِ مِنْبَرًا وخَطيبًا، وبنَي سُوقًا حَسنًا، فعَظُم الرَّبَض، ورَغِب النَّاس في المَقام فيهِ، وعُوِّض عن قَلْعَة نَجْم باللَّاذقِيَّة، وجُعل في القَلْعَة والٍ من جهة السُّلْطَان المَلِك النَّاصِر، أعزَّ الله نَصْره، وفي البَلَدِ وَالٍ، فكَثُرت العَمَائِر في الرَّبَض، وبُنيت فيه منازل كَثِيْرة، فاتَّسَعت أرجاؤُه، وكثُر بناؤُه، وصَار مِصْرًا من الأمْصَار، ومَقْصَدًا للمَعاشِ من سائر الأقْطار.

والقلعة مَنْسُوبة إلى نَجم غُلَام جِنِّي الصَّفْوَانيِّ، وكانت لبني نُمَيْر، وآخر مَنْ كان بها مَنْصُور بن الحَسَن بن جَوْشَن بن مَنْصُور النُّمْيرِيّ، من ولد الرَّاعِي عُبَيْد بن الحُصَيْن الشَّاعر، فقُتِل مَنْصُور وأُخِذَت القَلْعَة منهم، وخَلَّف ولدًا اسمهُ نَصْر، فأضَرَّ وعُمره أربع عشرة سنة، وقال الشِّعْر، وانْتَقل إلى بَغْدَاد بعد أنْ تغلَّب التُّرْك على ديارهم، فقال ولده يَذْكُر أباه، وأنْشَدَنيها أبو الحَسَن المُبارك بن أبي بَكْر بن مَزْيد الخَوَّاص البَغْدادِيّ بها عَنْهُ: [من الكامل]

لا تبعدَنَّ حسام دَوْلَةِ عَامِرٍ … من لَيْثِ مَلْحَمَة وغَيْث عَطَاء

أنْحَى على شمْلِ العَشِيْرَة بعده … ريبُ الزَّمان بفُرقةٍ وتناء

وَسَنَذْكُر تَرْجمة نَصْر (١) في الأسْماء إنْ شَاء اللهُ تعالى.

وقد ذكَرها القَاضِي الفَاضِل عَبْد الرَّحِيْم بن عليّ بن البَيْسَانِيّ في بعض رَسائله فقال (٢): وجئنا قَلْعَة نَجْم، وهي نَجْم في سحاب، وعُقَاب في عِقَاب، وهَامَة لها الغمامَة عَمامَة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لها قُلامَة.


(١) ترجمة نصر بن منصور الخيري في الضائع من أجزاء الكتاب.
(٢) هذا النص مما يستشهد به على بلاغة التشبيه؛ أورده الصفدي: نصرة الثائر على المثل السائر ٢٦٨، والنويري: نهاية الأرب ١: ٤٠٢، ٨: ٢، (وفيه بقية الرسالة).

<<  <  ج: ص:  >  >>